الأمن الفکری فی نهج البلاغة
دراسة في ضوء القرآن والسنة وعلم الأنثروبولوجيا الثقافية
لبيان مشروع الإمام علي عليه السلام في مواجهة الإرهاب والتطرف
تألیف : السید نبیل الحسنی
إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
الأمن الفکری فی نهج البلاغة
ص: 2
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق
وزارة الثقافة العراقية لسنة 2014 - 509
ص: 3
جمیع الحقوق محفوظة
للعتبة الحسینیة المقدسة
الطبعة الأولی
1436 ه - 2015 م
العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة
مؤسسة علوم نهج البلاغة
www.inahj.org
Email: inahj.org@gmail.com
موبايل: 07815016633
ص: 4
إلى البراءة المنحورة في حجر الإنسانية.
إلى الابتسامة المطوقة بحبائل الموت.
إلى الحضارة المغزوة بمغول الفكر.
إلى الطمأنينة الشاردة من صخب الدمار.
إلى الطفولة المصبوغة بحمرة الدماء.
إلى الرضيع المتعلق بعنق أبيه من حرارة السهم.
إلى اليدين الناعمتين..
انحني إجلالاً ملتمساً الإذن
في تعفير وجهي لتقديم كتابي وإهدائه إلى
سيدي عبد الله الرضيع عليه السلام.
خادمكم وولدكم نبيل
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم من عموم
نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الإحصاء
عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها))(1).
والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وعلى آله الأخيار
الطاهرين والهداة إلى شريعة رب العالمين.
وبعد:
فإن أحوج ما يحتاج إليه الإنسان بعد دين الله تعالى هو الأمن، فمن فقد
الأمن: يكون عيشه عليلاً، ف: «لا يتهنأ بحياة مع مخافة»(2).
ص: 7
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
ولأن الدين قوامه الاعتقاد ومادته الفكر، وحياته العمل به، فإن الأمن
يحقق كل ذلك فمن أمن عمل، ومن عمل احتاج إلى الفكر، وبالفكر يستقيم
الاعتقاد.
من هنا:
كان الاحتياج إلى الأمن الفكري أكثر من الاحتياج إلى الأمن
الاجتماعي والأسري والشخصي، وذلك أن استقامة الفكر وسلامته تحقق
كل ذلك، فقد يقدم المرء على الانتحار بسبب فكرة خاطئة وقد تهدم الأسرة
بفكر مضطرب، وقد يعم الفساد في المجتمع بسبب فكر ضال وهدام.
ولأن الحكومات والمؤسسات المشتغلة في دراسة الأسباب التي أفرزت
العنف والإرهاب والتطرف قد خلصت إلى الخلل في الفكر فنتج عنه
التطرف والإرهاب والفساد، فقد اندفعت هذه الحكومات والمؤسسات
الأمنية والتربوية والاجتماعية إلى تدارك هذه الخطورة علّهم بذاك يدفعون
عن وجودهم هذا الخطر الذي لا يستثني أحداً، ويحققون بذاك جملة من
الأهداف، منها:
أولاً: قيام الدولة وحفظ هيبتها، وتمتع ذوي النفوذ من حواضن
الممالك، أو الدولة، أو السلطان، أو الإفتاء في حياتهم وممارسة احتياجاتم النفسية والبدنية بكل (أمن) وأمان وحرية تحت عنوان: (طاعة ولاة الأمر).
ثانياً: حفظ ثوابت العقيدة التي نشأت عليها الأبناء وسارت عليها
ص: 8
الآباء، تحت عنوان: (الاعتصام بالكتاب والسنة).
ثالثاً: منع الثقافة البديلة لثقافة المجتمع، وتحت عنوان: (لزوم
الجماعة).
رابعاً: حصر الدين وفهمه في السلف الصالح، ومن ثم قطع الطريق
على معرفة المذاهب الإسلامية الأخرى وهذه الثوابت التي تناولتها كثير من
الدراسات المعاصرة حول (الأمن الفكري)(1). وصبت عليها جل اهتمامها،
هي في الواقع نفسها التي استند إليها رموز التطرف منذ القرن الأول للهجرة
النبوية!!
ولعل الاستماع إلى خطاب الجماعات التكفيرية والتي تسمي نفسها
ب(الجهادية) هي في الواقع أشد حرصاً على التمسك بتلك الثوابت التي
خلصت إليها الدراسات في الأمن الفكري، بل إنهم يتخذون منها مادتهم في
كسب الشباب ودفعهم إلى القيام بالقتل والتعذيب والتفجير وغير ذلك مما بات
اليوم حديث الناس في جميع البلدان.
وعليه:
لم يخلص الفكر من تلك القيود التي أخذت بعقول هؤلاء المتطرفين إلى
الدمار والخراب، بل إن الغريب في الأمر أن كثيراً ممن ينادون بالأمن الفكري
ص: 9
في عالمنا اليوم هم يقيمون المؤتمرات والندوات والمحافل لحفظ تلك المشتركات
فيما بين هذه المجاميع المتطرفة وبينهم فضلاً عن تمويلها بالمال والسلاح
والرجال!
ومن ثم لم تكن تلك الدراسات في حقيقة أمرها تريد إنقاذ أرواح الناس
من الإرهاب ولم تهتم لحفظ أطفالهم ونسائهم وممتلكاتهم وحفظ مستقبلهم وحفظ أوطانهم بقدر ما حرصت هذه الدراسات على حفظ الرئاسة والإمارة
وأرباب السلطة وأهل الإفتاء.
ولذا:
لم تفلح هذه الدراسات ولن تفلح في الوصول إلى (الأمن الفكري) فما
زالت بعيدة عن القرآن والسنة وهما العنوانان اللذان اتخذهما المنادون بالأمن
الفكري - اليوم - ذريعة لحفظ تلك المقامات فقط، وهو ما دل عليه قوله
تعالى:
«وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا»(1).
إذن: كي نصل إلى حقيقة الأمن الفكري الذي به تتحقق سلامة الدين
ويتهنأ الإنسان في حياته لابد من الرجوع إلى الأسس والثوابت الصحيحة التي
تحقق الأمن الفكري، فما بني على باطل لا يستوي بناؤه بل ينهار على بنّائيه؛
ص: 10
ومن عدل عن الحق لا يدرك الصواب ما حيا وإن سعى جاهداً، فهو
كالساعي خلف السراب لا يدرك منه إلا الظمأ والجهد والهلاك.
من هنا:
كان دليلنا في الوصول إلى الأسس والثوابت التي تحقق الأمن الفكري
هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولعل القارئ الكريم يطرح سؤالاً هو لماذا علي بن أبي طالب عليه
السلام دون غيره؟
هذا ما سنتناوله في هذه الدراسة.
ص: 11
ص: 12
تعود جذور الأمن الفكري إلى القرآن والسنة المطهرة ولقد أولاه القرآن والسنة عناية خاصة لما له من دور أساس في نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وللوصول إلى هذه الحقيقة لابد من المرور بمجموعة من المباحث.
لا يخفى على أهل البحث والمعرفة أن مصطلح (الأمن الفكري) هو من
المصطلحات الجديدة التي تخلو منها المعاجم العربيّة، فهو مصطلح معاصر
أفرزته التداعيات والأحداث التي تعصف بالأمة الإسلامية والتي في حقيقة
الحال لم تكن وليدة هذا العصر وإنما كانت قديمة ومنذ القرن الأول للهجرة
النبوية فما تعرض له آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن تمسك بهم من
الصحابة من سفك الدماء هو في حقيقته كاشف عن فقدان الأمن والطمأنينة
في المجتمع وسيطرة الخوف والذعر محلهما وبنسب متفاوتة في الزمان والمكان.
ومن ثم فإن الأحداث متجددة في البلاد والأزمنة وليست بالجديدة على
واقع العالم الإسلامي، وإنما الجديد هو المصطلح الذي كان ملاصقاً لهذه
ص: 13
الأحداث، التي يشهدها العالم بأجمع لاسيما العالم الإسلامي، وذلك بسبب
الوسائل الإعلامية ونقل الخبر والصورة ومواقع الشبكة المعلوماتية العالمية
وغير ذلك.
وعليه:
لابد من المرور بمفهوم هذا المصطلح وتعريفه كي نتمكن من تقديم
صورة نقية المعالم عن مشروع الإمام علي عليه السلام في تحقيق الأمن للفكر
والإنسان والمجتمع؛ وهو كالآتي:
ينقسم مصطلح الأمن الفكري إلى مفردتين وهما: (الأمن) و(الفكر)،
وللوصول إلى المعنى اللغوي للمصطلح يلزم العروج إلى بيان معنى هاتين
المفردتين، وهما كالآتي:
1. قال الخليل الفراهيدي:
(الأمنة من الأمن، والأمان: إعطاء الأمنة، والأمانة ضد الخيانة؛ يقال:
آمنت الرجل أمنا وأمنة وأماناً، وأمنني يؤمنني إيماناً؛ والعرب تقول: رجل
أمانٌ إذا كان أميناً وعلى هذا، فالأمن في اللغة: هو سكون القلب واطمئنانه
بعدم وجود مكروه وتوقعه)(1).
ص: 14
2. قال ابن فارس:
(الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان، أحدهما الأمانة التي هي ضد
الخيانة، ومعناه سكون القلب والآخر: التصديق)(1).
3. قال الراغب الإصفهاني:
(أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان
في الأصل مصادر ويجعل الأمان تارة اسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في
الأمن، وتارة اسماً لما يؤمن عليه الإنسان)(2).
4. قال الجوهري:
(أمن، الأمان، والأمانة بمعنى، وقد أمنت فأنا آمن، وآمنت غيري، من
الأمن والأمان.
والله تعالى المؤمن، لأنه آمن عباده من أن يظلمهم، وأصل آمن أأمن
بهمزتين، لينت الثانية؛ واستأمن إليه أي دخل في أمانه، وقوله تعالى:
«وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ»(3).
5. قال الأخفش يريد الأمن(4).
ص: 15
وهذه المعاني اللغوية تلزم الذهاب إلى المعنى الاصطلاحي للأمن كي
نصل إلى المعنى والدلالة التي ترشد إلى مفهوم الأمن الفكري، وعليه: فإن
الأمن في الاصطلاح هو: (عدم توقع مكروه في الزمان الآتي)(1).
وهذا التعريف الشمولي يرشد إلى احتياج الإنسان إلى دفع كل مكروه
من حوله سواء في زمانه أو في الزمان الآتي أي المستقبل، ومن ثم لا ينحصر
الأمر في الوطن أو المجتمع أو الأسرة أو النفس لاسيما وإن القرآن الكريم
يربط بين الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي والفردي في آثار تحقيق
الأمن فيقول سبحانه:
«فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»(2).
أي: إن الخوف هو الأمر الملازم للأمن، وإن كل أمرٍ يسبب خوفاً
احتاج إلى الأمن، ولذلك نجد أن الأمن قد دخل في جملة من الجوانب الحياتية
والتي تمخضت عن بعض التعريفات الاصطلاحية للأمن، وهي كالآتي:
عرف الأمن في الجانب النفسي بأنه (الحالة التي يسود فيها الشعور
بالطمأنينة والهدوء والاستقرار والبعد عن القلق والاضطراب)(3).
ص: 16
قدمت الأمم المتحدة تعريفاً جامعاً للأمن الاقتصادي، وهو: (أن يملك
المرء الوسائل المادية التي تمكنه من أن يحيا حياة مستقرة مشبعة).
ويعرفه آخرون: (بأن يملك الفرد ما يكفي من المال لإشباع حاجاته
الأساسية وهي الغذاء والمأوى اللائق، والرعاية الأساسية والتعليم)(1).
ويعني: (توفير الأمن للمواطن بالقدر الذي يزيد من الشعور بالمواطنية
والانتماء والعدالة الاجتماعية)(2).
وهي: (السلطة التي تمارسها الدولة وتملك بها السيطرة على الفرد
والأملاك وتستطيع منع ما من شأنه مضارة المجتمع في راحته أو أمانه أو
صحته أو مصلحته)(3).
وهو: (الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة، وهو يتشكل من خمسة أعضاء
دائميين وستة إضافيين لفترات معينة، ويهدف بالدرجة الأولى منع الحروب أو
ص: 17
إيقافها بالتدابير الدبلماسية أو الاقتصادية أو العسكرية)(1).
2- وهذه التعددية في استخدام مفردة (الأمن) تجعل ضبط مفهومها بما
ينسجمع مع مصطلح (الأمن الفكري) مفتوحاً على عدة استخدامات أخرى
غير التي مرّ ذكرها، فالأمن بالنظر إلى مقاصد الشريعة كما يعرفه البعض هو:
(الحال التي يكون فيها الإنسان مطمئناً، في نفسه، مستقراً في وطنه سالماً
من كل ما ينتفض دينه، أو عقله، أو عرضه، أو ماله)(2).
3- وعرفه آخرون:
(ما به يطمئن الناس على دينهم، وأنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم،
ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم، وينهض بأمتهم)(3).
4- وعرّف أيضاً، بأنه:
(حالة غياب كل خطر وكل تهديد للحياة، وهذا التهديد أو هذا الخطر
هو حالة يستشعرها الحيوان بالغريزة، أما الإنسان فيدركها بملكة العقل وخبرة
الممارسة عند الإنسان الأول)(4).
ولا شك أن هذه التعاريف تعود إلى جملة من المعطيات التي كونت لدى
أصحابها هذا الفهم لمفردة الأمن ودلالته.
ص: 18
في حين أنني أرى أن هذه المفردة يمكن تعريفها بما يلي:
(كل ما من شأنه أن يدفع الخوف ويحقق الاطمئنان في الحياة الدنيوية
والأخروية).
1. قال الجوهري المتوفى سنة (393 ه) في بيان معنى الفكر: (التفكر،
التأمل، والاسم الفكر، والفكرة، والمصدر الفكر بالفتح، ويقال: ليس لي في
هذا الأمر فكر، أي ليس لي فيه حاجة، ورجل فكير: أي كثير التفكير)(1).
2. وقال ابن فارس (المتوفى 395 ه): (الفاء والكاف والراء، تردد
القلب في الشيء، يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبراً)(2).
3. قال ابن سيده (المتوفى 458 ه): (الفكرة: إعمال الخاطر في الشيء
والجمع فكّر)(3).
4. وقال الفيروز آبادي (توفي 817 ه): (الفكر بالكسر، ويفتح: إعمال
النظر في الشيء كالفكرة والفكري بكسرهما والجمع أفكار)(4).
أقول: ويمكن أن نستخلص من هذه التعاريف، أن الفكر هو:
ص: 19
إشغال القلب أي العقل في التأمل من خلال النظر في الشيء.
قال شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله:
(والفكر هو التأمل في الشيء المفكر فيه، والتمثيل بينه وبين غيره، وبهذا
يتميز من سائر الأعراض من الإرادة والاعتقاد وليس في المتعلقات بأغيارها
شيء يتعلق بكون الشيء على صفة أو ليس عليها غير النظر - والنظر هو
الفكر-)(1).
2. وقيل هو:
(حركة النفس نحو المبادي والرجوع عنها إلى المطالب)(2).
3. وقيل أيضاً:
(حركة النفس في المعقولات بخلافها في المحسوسات فإنها تخييل لا
فكر)(3).
4. وقيل:
(أعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول)(4).
5. ويقول جميل صليبا:
ص: 20
(إن الفكر يطلق على الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في
المعقولات أو يطلق على المعقولات نفسها؛ فإذا أطلق على فعل النفس دل
على حركتها الذاتية وهي النظر والتأمل، وإذا أطلق على المعقولات دل على
المفهوم الذي تفكر فيه النفس)(1).
6. وقال الجرجاني:
(إعمال النظر والتأمل في مجموعة من المعارف لغرض الوصول إلى
معرفة جديدة، وهو بهذا عملية يقوم بها العقل أو الذهن بواسطة الربط بين
المدركات أو المحسوسات واستخراج معانٍ غائبة عن النظر المباشر)(2).
أقول: ويمكن أن نستخرج من هذه التعريفات:
أن الفكر اصطلاحاً هو التأمل والنظر في أمرٍ ما بقصد الوصول إلى
معلومة جديدة وتكون معرفة حول الشيء المفكر فيه.
ذهب بعض الباحثين إلى تعريف مصطلح (الأمن الفكري) بجملة من
التعريفات، وهي كالآتي:
1. عرّفه الشيخ عبد الله بن بيه فقال: (أن يعيش الناس في بلدانهم
ص: 21
وأوطانهم وبين مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات أصالتهم، وثقافتهم
النوعية، ومنظومتهم الفكرية).
2. ولقد استل الشيخ السديس من هذا التعريف تعريفاً آخر مطابقاً له
في المضمون والمحتوى ومقيداً إياه بلفظ الكتاب والسنة، فقال: (أن يعيش
الناس في بلدانهم وأوطانهم وبين مجتمعاتهم آمنين مطمئنين على مكونات
أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من الكتاب والسنة)(1).
3. وعرفه الدكتور حيدر الحيدر فقال: (تأمين خلو أفكار وعقول أفراد
المجتمع من كل فكر شائب ومعتقد خاطئ، مما قد يشكل خطراً على نظام
المجتمع وأمنه، وبما يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الحياة
الاجتماعية)(2).
4. وعرفه محمد نصير فقال: (النشاط والتدابير المشتركة بين الدولة
والمجتمع، لتجنب الأفراد شوائب عقدية أو فكرية أو نفسية، وتكون سببا في
انحراف السلوك، والأفكار، والأخلاق عن جادة الصواب أو سبباً للإيقاع في
المهالك)(3).
5. وعرفه الدكتور سعيد الوادعي: (سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه
ص: 22
من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية
والسياسية وتصوره للكون)(1).
6. وعرفه آخرون بقولهم: (إن الأمن الفكري جزء من منظومة الأمن
العام في المجتمع بل هو ركيزة كل أمن وأساس لكل استقرار وإن مبعثه
ومظهره إلتزام بالآداب والضوابط الشرعية والمرعية والتي ينبغي أن يأخذ بها
كل فرد في المجتمع)(2).
وهذه التعريفات للأمن الفكري وغيرها ترشد - إجمالا - إلى مسألة
واحدة وهي حفظ كيان الدولة ومؤسساتها وضمان دوام قيامها بما يخدم
الاستقرار للمواطنين الذين يعيشون تحت كنف هذه السلطة: وهذه المسألة
وإن قُدمت بمفاهيم علمية حاول البعض فيها الجمع بين حفظ هيبة الدولة
والمنهجية العلمية إلا أنها تتمحور ضمن هذه المسألة لاسيما وإن الأسباب التي
دعت إلى ظهور هذا المصطلح (الأمن الفكري) كانت في الأساس تعرض
بعض الدول ومؤسساتها إلى الضرر، فضلاً عن تنامي الحركات (التكفيرية)
التي لا ترى حرمة لهذه الدول والحكومات قاطبة بل إنها ترى شرعية إسقاطها
ومحاربتها وذلك لانحصار (الشرعية) فيها.
ص: 23
ولذا فهي تدعو بفكرها الدعوي إلى قيام الإمارة الإسلامية و(الجهاد)
من أجل تحقيقها بكل السبل، مما دفع الدول والحكومات في العالم الإسلامي
إلى التصدي لهذه الحركات والانتفاع منها في الوقت نفسه؛ وذلك لاستخدامها
كذراع ضد من اختلف معها في الفكر والمشروع السياسي، وإن صح التعبير في
(المشروع الوجودي).
وعليه:
لابد - في الواقع - إن أردنا الأمن الفكري للمسلمين بصورة خاصة
وللناس جميعاً بصورة عامة وبما يحقق الاطمئنان في المكان الذي يعيش فيه
المسلم وغيره؛ لابد من الرجوع إلى الثقلين، القرآن الكريم والعترة النبوية
المطهرة حيث فيهما ضالة كل سائل ومقصد كل مصلح رشيد يريد الخير
للناس جميعاً.
يندرج الأمن في القرآن الكريم ضمن مجموعة من الآيات المباركة التي
تناولت ضروباً مختلفة من الحياة الدنيوية والأخروية، بل إن الباحث ليجد
القرآن الكريم قد اهتم بالأمن الفكري، والأمن النفسي والأمن الاقتصادي،
والأمن الاجتماعي، ولم يغفل عن الأمن الأخروي.
إلاّ أن وجهتنا في هذه الجولة بين أنوار القرآن الكريم هي الآيات التي
ورد فيها مفهوم الأمن الفكري وموارد تحصيله لدى الإنسان وكيفية تحقيقه،
وهي كالآتي:
ص: 24
يعرض القرآن الكريم جانباً من الحياة الفكرية التي كانت سائدة في أرض
بابل مولد نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.
وتتعدد المعتقدات آنذاك بين الوثنية المتجلية في عبادة الأصنام، وبين
عبادة الكواكب واتخاذها آلهة متعددة بين الناس، أي لم يكن أهل بابل جميعاً
على معتقد واحد، فمنهم من يعتقد بالأصنام، ومنهم من يعتقد بالشمس،
وآخرون يرون القمر أو الزهرة إلهين؛ ومن ثم فقد واجه نبي الله إبراهيم الخليل
أفكاراً ومعطيات متعددة كونت لدى المجتمع البابلي مجموعة من المعتقدات
التي لعبت الميثولوجيا فيها دوراً مهماً إن لم يكن هو الدور الأساس(1).
مما شكل فكراً منحرفاً عن جادة التوحيد ومعطياته ولوازمه التي دعت إليه الأنبياء عليهم السلام، لاسيما نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.
وذلك لاختلاف هذه المعتقدات في زمانه وتعددها مما يستلزم أمناً فكرياً
شاملاً ودقيقاً في آن معاً كي يحقق هدفه المنشود والمكلف به وهو عبادة الله
الواحد الأحد؛ أي مواجهة كل معتقد من هذه المعتقدات بما يناسبه من فكر
مضاد يحقق سلامة الفكر وأمنه من الانحراف.
وهو ما أشارت إليه الآيات المباركة الآتية:
قال تعالى:
ص: 25
«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
وهذه الآيات المباركة ترشد إلى مجموعة من النتائج وهي ما يلي:
1. تعدد المعتقدات في المجتمع الذي بعث فيه نبي الله إبراهيم الخليل
عليه السلام.
2. بيان دور العقل في الاستدلال من خلال التأمل والتفكر في صفات
ص: 26
هذه الآلهة كالقمر والشمس ومخالفتها للصفات الواجبة في المعبود كنفي
الحركة والزوال والتغيير من حال إلى حال وغير ذلك من الصفات التي يتصف
بها المخلوق وليس الخالق جل شأنه.
ولذلك: كانت نتيجة هذا الاستدلال هي الأمن الفكري المعبر عنه من
خلال البراءة من هذه الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة التي لا تهدي إلى
الرشد والصواب.
3. تنقل الآيات المباركة لبيان حالة أخرى من الحالات المرتبطة بالفكر
وهي (المحاججة) وهي: (المفاعلة بين الجانبين، أي: قدم كل منهما حجته
ليغلب بها الآخر)(1).
4. إن المحاججة كانت في التوحيد وهو مدار حركة الأنبياء والمرسلين
عليهم السلام وأساس دعوتهم فبالتوحيد يبدؤون وعليه يختمون حياتهم.
5. إن الإيمان الحقيقي المرتكز على الإخلاص في التوحيد يحقق الأمن
الفكري وبخلافه ينعدم الاطمئنان ويسري الخوف إلى النفس.
6. إن الأمن الفكري يبدأ بالنفس ويعم المجتمع الذي التزم بالتوحيد،
ولذا، قال لهم:
«وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ
ص: 27
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
ثم يقدم لنا إبراهيم الخليل عليه السلام قاعدة عامة في تحقيق الأمن
الفكري لدى الإنسان، وهو ما سنعرض له في ثانياً.
يقودنا نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام في حواره الفكري والعقدي
مع قومه الذين أصيبوا بالانحراف والتطرف الناتج عن سوء الاستدلال
واعوجاج الذهن من خلال التأثير ببعض المقدمات السلبية في تكوين المعتقد
كما في عقيدتهم بالكواكب وتأثيرها أو الانشغال بنورها وضوئها وحجمها
وإلى غير ذلك من الآثار والصفات التي تصيب العقل بالشك فلا يهتدي إلى
الاطمئنان ومن ثم فهو مصاب بالخوف الذي يؤرّق مضجعه ويدفعه إلى اتخاذ
وسائل عدة ظناً منه أنها تعيد إلى نفسه الاطمئنان والهدوء، لكنه لم يزل في تردٍ
وازدياد من الخوف.
وعليه:
ترشدنا الآية المباركة والتجربة الفكرية التي مرّ بها قوم إبراهيم الخليل
عليه السلام إلى قاعدة ثابتة في تحقيق الأمن الفكري، وهي:
(إن الفكر لن ينال الأمن بوجود الشك بالله)، وهو ما كشفت عنه الآية
المباركة، قال تعالى:
ص: 28
«الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»(1).
وذلك أن ظلم العقل بالشك سيجر إلى ظلم أكبر، أي من شك بالله
تعالى فسيشك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن شك بالنبي شك بما
يدعو إليه، ومنه يحدث الانقلاب في الأمم كما يحدثنا القرآن الكريم عن
حركة التاريخ وسننه في الأمم السابقة(2).
وعليه: لنا عودة في بيان هذه النتائج في المسألة الثالثة: (مفهوم الأمن
الفكري في السنة النبوية)
من الركائز الأساسية التي أرشد إليها القرآن الكريم في بيان مفهوم الأمن
الفكري وكيفية تحقيقه هو: إرجاع الأمور إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر؛ وقد أظهرت الآية أن انعدام المرجعية في فهم الأمور
وتحديد صلاحها كان أحد الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف والفساد وذلك
من خلال تبني كثير من الناس حق الاستنباط في شرع الله تعالى من دون تجويز
من صاحب الشريعة وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعل تبني بعض الجماعات الإسلامية للفكر المتطرف سببه ظهور مدعي
ص: 29
العلم بالقرآن والسنة واتخاذه لنفسها مرجعية في إصدار الأحكام لاسيما فيما
يتعلق بأهدافها السلطوية في إقامة الإمارة أو الخلافة؛ فكان التكفير هو السمة
الأبرز في الحكم على كل من يخالف هذه المرجعيات، مما حقق إذاعة الإرهاب
وممارسته أين ما حلت هذه الجماعات، وهو ما كشفته الآية المباركة في بيانها
لأحد مرتكزات الأمن الفكري، وهي كالآتي:
قال سبحانه وتعالى:
«وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا»(1).
ومما لا ريب فيه أن أولي الأمر هنا في الآية لا يراد بهم الحكام
والسلاطين والملوك والرؤساء الذين يحكمون البلاد الإسلامية؛ وذلك لانتفاء
شروط المرجعية الدينية فيهم، نعم هم لهم القدرة في ضبط النظام وأمن البلاد
ونماء اقتصادها وحفظ المواطنين وتأمين احتياجاتهم وصون كرامتهم، ودفع
الأخطار عنهم.
أما فرضهم لبعض القوانين أو السياسات في تحديد منابع العلم وفرض
الأفكار والآراء فإن ذلك لن يكون تحت مصطلح الأمن الفكري، بل الحجر
الفكري وهو ما سنعرض له في أحد مباحث الدراسة.
وعليه:
ص: 30
لا دليل على اختصاص الآية بالرؤساء وأرباب الحكم في تحديد الأمن
الفكري وبخاصة ونحن نشهد اليوم أن المسلمين قد انتشروا في مختلف بقاع
العالم ويعيشون في كنف معظم الدول العظمى والمتقدمة، ومن ثم لا يعقل أن
يقرر لهم حكام تلك الدول سلامة فكرهم وعقيدتهم ودينهم.
ولذلك:
الآية المباركة: تحدد سلامة الأمن الفكري في عنصرين، وهما:
أ: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ب: أولو الأمر وهم أهل الذكر المنصوص عليهم في اختصاصهم بشرع
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهم العترة النبوية كما سيمر بيانه في
المسألة الآتية، ومن خلال المباحث اللاحقة.
قبل الوقوف عند الأحاديث الشريفة في بيان مفهوم (الأمن الفكري)
لابد من بيان معنى السُنّة كي يتضح لدى القارئ مواضع البحث وصحة إيراد
الشواهد، وعليه:
فالسنة: بضم الأول وفتح الثاني مع التشديد في اصطلاح المتشرعة على
معنيين:
ص: 31
المعنى الأول للسنة هو:
(قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره، بل المطلق من
طريقته وهديه صلى الله عليه وآله وسلم - وعند الشيعة الإمامية - التابعين
لأئمة العترة من أهل البيت عليهم السلام، يضاف إلى الرسول قول أئمة
العترة الطاهرة عليهم السلام وفعلهم وتقريرهم وهديهم، لأنهم امتداد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه حقاً ووارثوه وهم أئمة يهدون
إلى الحق وبه يعدلون، وإنهم أئمة معصومون.
لا يقولون ولا يعملون إلا على التنزيل والتأويل، وهم معدن علم الله
وعلم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السنة، يضاف إلى
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سنة الصحابة وسيرتهم ولاسيما الخلفاء منهم، وأن لهم حق التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة المتعتين
والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب(الصلاة خير من النوم)،
وعشرات من نحو هذه التشريعات.
المعنى الثاني: العمل المستحب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يواظب على العمل به، ويحضّ المؤمنين عليه، وهو دون الواجب
وفوق الندب، كالختان والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد، وفعل النوافل
المرتبة ولو يأتي بركعتين منها.
ص: 32
والمراد من السنّة قبال الكتاب: هو المعنى الأول)(1).
وجوده
إنّ دراسة بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي اهتمت في حفظ العقل
البشري وبالأخص سلامة الفكر الإسلامي من الانحرافات والتطرف لكثيرة
جداً، وذلك أن الغاية من البعث والنبوة هو حفظ العقل البشري من
الانحرافات وتحقيق سلامة تفكيره كي يستطيع أن يحيا حياة صالحة في الدنيا
وآمنة في الآخرة.
ولذلك:
لم يخرج سياق الحديث النبوي في الدعوة إلى الأمن الفكري عن سياق
الآيات الكريمة التي تدعو الإنسان إلى الاستفادة من نعمة العقل وأعماله في
التفكير في الآيات وفي الأنفس وغير ذلك كي يحرز سلامة هذه النعمة
والانتفاع منها على الوجه الأكمل الذي يتجلى في بناء الحياة ونهوض الأمة.
ولعل الرجوع إلى القرآن في الوقوف على هذه الدعوات الرحمانية في
الدعوة إلى إعمال العقل لغرض الأمن الفكري يكون من باب النافلة، لكننا
نورد هنا بعض الإشارات، وهي:
1. فقد جاءت كلمة (يعقلون) في الكتاب الكريم (22) مرة.
ص: 33
2. وجاءت كلمة (يتفكرون) عشر مرات.
3. أما قوله تعالى: «فانظروا» والتي تدعو إلى التفكر وإعمال العقل فجاءت (خمس) مرات.
وغير ذلك من الألفاظ التي تكشف عن أهمية الفكر وإعمال العقل
لغرض الوصول إلى الصلاح والإصلاح في الحياة الدنيا والآخرة، ومن ثم
فالدعوة القرآنية تسير إلى جنب الدعوة النبوية في الحث على إعمال العقل
والفكر في الوصول إلى بر الأمان، والذي لا يتحقق إلا بالأمن الفكري.
وعليه:
فقد كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحرص على
أمته ونجاتها من الفكر الضال والمنحرف عن جادة الإسلام مما دفعه صلى الله
عليه وآله وسلم إلى استخدام كل وسيلة تضمن تحقيق نجاة الأمة من الهلاك
والانحراف، وما ذاك إلا بسلامة فكرها الذي يحقق الأمن في جميع مجالات
الحياة، فكانت هذه الوسائل التي أدّت إلى الأمن الفكري في الأمة ودلالة
وجودها في السُنة النبوية كالآتي:
من الوسائل التي استخدمها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في
ايقاظ الفكر بين أبناء قومه الذين تفشت فيهم كل أنواع التردي الإنساني
فكان الجهل وسوء الخلق والمظهر والعيش والمعتقد هي السمات الأبرز في
المجتمع المكي، هي وسيلة القصة، ولعل الرجوع إلى قراءة تاريخ العرب قبل
ص: 34
الإسلام وقراءة الأبحاث الخاصة في دراسة طبيعة العلاقات الاجتماعية
والنفسية والعقدية(1)، لتقدم صورة واضحة عن حجم الانحطاط والتردي
لهؤلاء الذين أسماهم القرآن ب(الأعراب) مرة، وبالمنافقين مرة، وبالمؤلفة
قلوبهم مرة أخرى، فضلاً عن الصفات والتسميات التي حددها النبي صلى الله
عليه وآله وسلم لبعض فئاتهم الاجتماعية لاسيما طبقة الطلقاء في عام الفتح.
ومن ثم فقد استخدم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مجموعة
من الوسائل، ومنها وسيلة القصة مستثمراً في ذلك حب العرب للقصص
والاستئناس إليها واستخراج الموعظة منها والدعوة إلى التأمل فيها وهو بذاك
كان يسير مع المنهج القرآني في إنعاش الفكر الإنساني وإعمال العقل في بيان
الإصلاح وتشخيص الفساد والذي جاء ضمن سلسلة من الآيات، منها:
1. «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»(2).
2. «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»(3).
ص: 35
3. «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ»(1).
4. «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(2).
5. «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»(3).
6. «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ...»(4).
وغيرها من الآيات المباركة التي جاء القرآن من خلالها (بنظرة جدّية إلى
الماضي، وأشار إلى أن ذكريات العرب الماضية محدودة، وعاد إلى بدء الخليقة،
وأكد القرآن على أمثلة التاريخ الغابر وعظاته، وذكر حوادث الأمم
والشعوب السالفة؛ للتأكيد على العبر الدينية والخلقية التي تنطوي عليها)(5).
وقد تحدث القرآن كثيرا عن أساطير الأولين، ولا يعني ذلك الأسطورة.
ص: 36
الخرافية ولكن ما هو مسطور مكتوب لدى الناس، أي ليس بجديد ولكنه
مؤرخ معروف من قبل، وهذا يعني أن الجاهليين قد أدركوا ما في القرآن من
صلة مع الفكر الديني السابق، وما يملأ الجو القرآني بوضوح منه وأنه يروي
قصصا وأمورا تاريخية لها كتبها وذكرها المسطور.
كما أن القرآن استطاع أن ينتزع العرب من الإطار القبلي، ومن الجو
الوثني ولهذا استخف بالأنساب وبقصص الأيام وبمثل الجاهلية وبدّلهم منها
جوا ثقافيا آخر ربطهم بسلسلة التاريخ الوجداني للبشرية، أي أعطاهم بعدا
زمنيا جديدا قوامه التاريخ الماضي كله، من خلال سلسلة الأنبياء عليهم
السلام المتمادية منذ مبدأ الخلق)(1).
ولذا: (نجد القرآن الكريم قد دعا إلى التفكير في أحداث التاريخ، من
خلال استعمال المشاهدة، وتحكيم العقل معا، لتكوين العقيدة، فدعم
المدركات العقلية بالشواهد الحسيّة، ودعا إلى استكشاف أسرار الخليقة،
ومعرفة سنن الاجتماع الإنساني في التطور، وتدبر أحداث الكون.
فالقرآن يعرض صور الحياة، وأحداثها التي جرت على الأمم السابقة،
ويستخلص منها العبر والحكم ويحذّر الناس أن يقعوا فيما وقعت فيه تلك
الأمم، من طغيان مالي، أو استبداد سياسي، وتكذيب وجحود، وعصيان
وفسوق، فحاق بهم العذاب)(2).
ص: 37
لذا:
فمن البديهي أن يهتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحركة
التاريخ مستثمراً هذا الكم من الآيات الكريمة في تحقيق الأمن الفكري
للمسلمين من خلال التفكر والتدبر في هذه القصص التي لم تقتصر على الأمم السابقة وإنما شملت بيان حال الملائكة كما في خلق آدم وسجودها له،
والشياطين ودورها في انحراف الفكر كما في قتل هابيل والأنبياء عليهم السلام
وعقر ناقة صالح وغير ذلك.
بل: كان القرآن يتحدث عن الحركة التاريخية للعلوم ونشوئها
وتطورها، كمراحل خلق السماوات والأرض، ومراحل النشأة والتكوين
للعناصر الحياتية على الأرض، وتاريخ تكوّن الأعراق البشرية، واختلاف
الألوان والألسن، وغيرها مما لا حصر له، فما من علم إلا وله بداية نشأ
منها، وانطلق من عندها، ليكوّن بذلك سجلا تاريخياً يدون فيه سير هذه
الحركة التاريخية لهذا الصنف من العلم أو ذاك، ولهذه الأمة أو تلك.
ومن هنا: ظهرت الحركة التاريخية عند رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم واسعة وعميقة، فقد أخرج أحمد في المسند عن عمران بن حصين:
«كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل
لايقوم إلا لمعظم صلاة»(1)
ص: 38
ويبدو أن السبب في تركيز النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على
بني إسرائيل لعدة أمور، منها:
1- تعاقب عدد من الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل.
2- تنوع الجوانب الحياتية لديهم باختلاف الأزمنة التي بعثت بها
أنبياؤهم؛ بمعنى أن كل مرحلة زمنية أو مكانية هي عبارة عن سجل تاريخي
للحركة البشرية.
3- اختلاط اليهود بالمسلمين وتشكيلهم نسبة جيدة من الجغرافية
العربية التي تعددت فيها المعتقدات، فقد ظهرت في الجزيرة والعراق واليمن
والشام مجموعة من المعتقدات.
4- قرب زمانهم من زمان بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا
يدل على استيعاب المسلمين لأثر السنن التاريخية التي مرت بها مجتمعات بني
إسرائيل.
5- نفوذ الثقافة اليهودية والنصرانية في أندية المدينة بشكل خاص.
6- تجدد العوامل الفاعلة في حركة السنن التاريخية في أمة المصطفى
صلى الله عليه وآله وسلم.
وهو الأمر الذي كان ينبّه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
وكان يحذر المسلمين منه، بعد أن لاحظ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم أن العديد من أُسس السنن التاريخية بدأت تتحرك في أمته. ولذا أراد
ص: 39
حفظهم من عدم تحقق هذه السنن التاريخية، كي لا تحصد الأمة ما سيترتب
على هذه السنن من نتائج.
ومن هنا؛ نجده صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدّث المسلمين عن تلك
السنن التاريخية التي جرت في بني إسرائيل، كي يحذرهم منها ويأمنوا من عدم
الوقوع بها. وهو في نفس الوقت أعطى خزيناً تاريخياً وعاملاً نهضوياً في قيام
الحركة التاريخية عند المسلمين.
7- مشكلة الوصاية وتبادل الأدوار القيادية بين موسى وهارون عليهما
السلام والمعارضة والعزوف الذي عاناه هارون وموسى من بني إسرائيل مع
ما حدث في عصر ما بعد النبوة نجد أن هناك تشابهاً بين المحنتين، محنة هارون
وموسى ومحنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه عليه السلام.
إذن: لم يغب عن ناظر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المنهج
الذي قدّمه القرآن في إصلاح الأمم، من خلال وضع العديد من السنن الإلهية
في الحياة الإنسانية، والتي عرفت فيما بعد؛ وحسب اصطلاح المؤرخة؛ بالسنن
التاريخية؛ فهذه السنن لم تكن تغيب عن ناظر الحبيب المصطفى صلى الله عليه
وآله وسلم؛ ولذا كان يحدث المسلمين، ويبين لهم تلك القوانين الإلهية، التي
تحكمت في مصير الأمم السالفة، ولاسيما بني إسرائيل الأقرب عهداً بأمة
الإسلام والأكثر احتكاكا وتعايشا، وربما فهما واستيعابا لتلك النتائج التي
تمخضت منها هذه السنن التاريخية.
وحيث إن الطبيعة البشرية هي هي، تتأثر بالمتغيرات الحياتية والفكرية،
ص: 40
وحيث إن عناصر الشر والخير متأصلة ومتنامية في جميع الأمم، كان لزاما على
هذه الأمة أن تعيش تلك السنن التاريخية، والقوانين الحياتية التي عاشتها الأمم
السابقة.
ومن هنا: نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولاسيما في
السنة الأخيرة من حياته الشريفة؛ يحذرهم من اتباع تلك السنن التاريخية؛ بل
يظهر الحديث الشريف أنه كان يرى أن هذه الأمة قد سلكت سبيل السنن
التاريخية للأمم السابقة لا محالة.
قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«لتتبعن سنن من کان قبلکم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتی لو أن أحدکم دخل جحر ضب لدخلتموه»!.
قالوا: فاليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال:
فمن إذن»(1).
وفي لفظ آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«لتتبعن سنن من قبلکم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتی لو سلکوا جحر ضب لسلکتموه.
قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟. قال:
فمن»(2).
ص: 41
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«لا تقوم الساعة حتی تأخذ أمتی بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فقيل يا رسول الله: كفارس والروم؟. قال:
ومن الناس إلا أولئک»(1).
هذه التحذيرات التي أطلقها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في
اتباع هذه الأمة السنن التاريخية للأمم السابقة، ولاسيما بني إسرائيل كانت
محفزا قويا لتحقيق الأمن الفكري وتأصيله لدى المسلمين واجتنابهم من
الوقوع في تلك الانحرافات والتطرف الفكري الذي هلك فيه بنو إسرائيل.
لم يكتف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ببيان حركة التاريخ
وسننه من خلال وسيلة القصة لغرض تحقيق الأمن الفكري في الأمة ومع ما
لها من دينامية فاعلة في إعمال العقل في التفكر والتدبر والاتّعاظ وإنما ينتقل
صلى الله عليه وآله - حرصاً على أمته - إلى الوسيلة التعليمية منشطاً
للذهن في الاستدلال على معرفة أصول الشريعة وقوانينها التي تحقق له الأمن
الفكري وسلامة العيش وطمأنينته؛ ومن هذه الوسائل استخدامه صلى الله
عليه وآله وسلم للكساء كوسيلة تعليمية إرشادية لبيان غرض الشريعة وبيان
دلالة الحكم الإلهي كي يحقق الأمن الفكري ويحفظه من الانحرافات
ص: 42
والتأويلات والأباطيل في تحديده لأحد الأصول التي قام عليها الدين
الإسلامي، وهي الإمامة من بعده وحصرها في عترته أهل بيته وذلك حينما
جمعهم وجللهم بالكساء اليماني ثم قيامه صلى الله عليه وآله وسلم بجمعه
لأطراف هذا الكساء كي يقطع الطريق على من يعتقد أن أهله وعترته الذين
أرادهم الله في محل الإمامة والاقتداء والاتباع من بعد نبيّه غير هؤلاء الذين
عصمهم الله من الوقوع في الذنب فطهرهم تطهيرا فضلاً عن دفع الأباطيل
والتأويلات التي ارتكزت على مفاهيم واهية لا تصمد أمام روح القرآن
والسنة النبوية.
ولذلك:
كانت هذه الوسيلة التعليمية والإرشادية - على بساطتها - إلا أنها
بالغة الدلالة في تحديد أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصرهم بهؤلاء الأربعة، وهم (فاطمة وعلي وولداهما صلوات الله عليهم أجمعين) وذلك كما
دلت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة والصريحة، فكان منها:
أ: أخرج الحاكم النيسابوري عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب، عن أبيه قال:
(لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة هابطة، قال:
«ادعوا لی ادعوا لی».
فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال:
ص: 43
«أهل بیتی علیاً وفاطمة والحسن والحسین».
فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه ثم رفع
يديه، ثم قال:
«اللهم هؤلاء آلی فصل علی محمد و علی آل محمد».
وأنزل الله عزّ وجل:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1) (2).
2- روى الحاكم عن عامر بن سعد يقول: قال سعد - بن أبي وقاص
-: (نزل على رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم الوحي فأدخل عليّاً
وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال:
«اللهم هؤلاء أهلی و أهل بیتی»).
ونلاحظ هنا أن الفعل النبوي قد تلازم مع الوحي في بيان أهل بيته
صلى الله عليه وآله وسلم وحصرهم من خلال هذه الوسائل الإرشادية كي
لا يبقى أحد يعتقد أن آل محمد وأهل بيته غير هؤلاء الأربعة.
وهذا المعنى قد التفت إليه الحاكم النيسابوري، أي الحكمة في استخدام
النبي للكساء أو الثوب في بيان مراد القرآن والوحي في تحديد الآل والأهل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهؤلاء الأربعة فقط دون غيرهم، فقال: (وقد
ص: 44
روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل
البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح؛ وإنما خرجته ليعلم
المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم)(1).
بمعنى: أن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته هم واحد،
وهم هؤلاء الأربعة الذين جللهم بالكساء، وهم الذين أخرجهم للمباهلة.
والحديث الذي قال عنه الحاكم: (وقد روى هذا الحديث بإسناده
وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو هذا: - قال
- عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقيني كعب بن عجرة فقال: إلا أهدي لك هدية
سمعتها من النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم؟
قلت: بلى، قال: فأهدها إليه.
قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فقلنا يا رسول
الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال:
«قولوا: اللهم صل علی محمد و آل محمد کما صلیت علی إبراهیم و آل إبراهیم إنك حمید مجید، اللهم بارك علی محمد وآل محمد کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم إنك حمید مجید»)(2).
3 - أخرج أحمد بن حنبل، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: (أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة
ص: 45
کساء ثم قال:
«اللهم هؤلاء أهل بیتی وخاصتی اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا».
فقالت أم سلمة: يا رسول الله أنا منهم؟ قال صلى الله عليه وآله
وسلم:
«إنكِ علی خیر»)(1).
وتظهر الحكمة بشكل كبير في اعتماد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إرشاد الناس ولاسيما أزواجه إلى تحديد أهل بيته وذلك حينما كان تجليله لهم
بالكساء في دار أم سلمة وفي رواية في دار عائشة كي لا تتعدى إحداهن بأنها
من آله وأهل بيته الذين حددهم القرآن وليس الذين يحددهم المجتمع فيكون
المعنى مجازيّاً؛ وذلك بالرجوع إلى العشرة والمودة فقد يصبح إثنان من الناس
وبسبب العشرة الطيبة بأنهم أهل ولعل المودة والأخلاق الحميدة تجعلهم
قريبين إلى القلب بأكثر مما يمتاز به أهل البيت الواحد الذين تربطهم رابطة
الدم.
ولذلك:
المراد بآل النبي وأهل بيته هم أولئك الأربعة وليس أزواجه أو أقرباءه أو
أحبابه وخلانه وأصحابه وإن كان لأحدهم مكانة في نفس رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، فهذا لا يعني أنهم من آل محمد صلى الله عليه وآله
ص: 46
وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
من هنا:
ندرك حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استخدام الكساء
في دار أم سلمة أو عائشة أو غيرها وندرك أيضاً معنى أن يجمع النبي أطراف
هذا الكساء ويمنع أم سلمة من الدخول تحته وقوله لها: إنك على خير(1)
إنّ من المناهج الإرشادية التي جاء بها القرآن في بيان الأحكام الشرعية
إلى الناس هو ضرب الأمثال لهم كي يلتفتوا إلى مراد الوحي ودلالة المثل
فذلك أكثر وقعاً على الناس وامض أثراً في تحريك العقول ومن ثم يصبح
ضرب الأمثال له من الخصوصية التأثيرية على النفس ما لا يحرز في غيره من
الوسائل والمناهج وذلك لتقاربه مع كثير من الأنماط الفكرية لدى الناس.
ففي أثر القرآن على الأشياء ونفاذه النوراني فيها ما جاء في سورة الحشر
عند قوله تعالى:
«لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
ص: 47
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(1).
في حين نجد القرآن يضرب مثلاً آخر في قسوة قلوب الظالمين فيقول
سبحانه:
«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»(2).
فهذه القلوب التي هي أشد قسوة من الحجارة لم يكن القرآن لينفذ بنوره
إليها في حين يكون أثره فيما لو أنزل على جبل أن يتصدع من خشية الله
تعالى.
وفي دور الكلمة الطيبة الإصلاحي في النفس الإنسانية يضرب الله مثلا
لذلك فيقول سبحانه:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»(3).
ولعل تتبع الآيات يخرج المبحث عن موضوعه ولكن أردنا أن نظهرللقارئ الكريم أن هذا المنهج الإرشادي الذي جاء به القرآن استخدمه رسول
ص: 48
الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة فاطمة وأهل بيته عليهم السلام في
هذه الأمة وموضعهم من الرسالة، فكانت كالآتي:
1- أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه، (عن حنش الكناني قال:
سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذٌ بباب الكعبة: من عرفني فأنا من
عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبيّ صلى الله عليه - وآله - وسلم
يقول:
«ألا إن أهل بیتی فیکم مثل سفینة نوح من قومه، من رکبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»)(1).
وهنا:
نلاحظ استخدام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم السفينة كمثل
في دور أهل بيته عليهم السلام في نجاة أمته من الغرق، ولا شك أن الغرق
المقصود هو بحر الشبهات والبدع والضلال فمن تخلف عن أهل البيت غرق
في الضلال والبدع كما غرق قوم نوح في الضلال فكان مصيرهم الهلاك في
الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة فالنتيجة واحدة في الأمتين، أمة نوح وأمة
ص: 49
محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ويمضي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ضرب الأمثال لبيان
دور أهل بيته عليهم السلام في هذه الأمة ومنزلتهم من الرسالة، فيأتي بأمثلة
أخرى، وهي:
2- يروى الطبراني والبزار وغيرهما حديث السفينة عن أبي ذر ثم يردف
بمثال آخر لدور أهل البيت عليهم السلام فيمثلهم صلى الله عليه وآله وسلم
ب(باب حطة في بني إسرائيل)(1).
ولا يخفى على المتتبع أن باب حطة في بني إسرائيل كان هو الوسيلة
الابتلائية للأمة.
3- أخرج الحاكم الحسكاني، وابن حجر العسقلاني وغيرهما عن عبد
الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«أنا الشجرة وفاطمة فرعها، وعلی لقاحها، والحسن و الحسین
ص: 50
ثمرتها وشیعتنا ورقها وأصل الشجرة فی جنة عدن وسائر ذلک فی سائر الجنة»(1).
4- عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
«أنا میزان العلم، وعلی کفتاه، والحسن والحسین خیوطه والأئمة من أمتی عموده، وفاطمة علاقته توزن فیه أعمال المحبین لنا، والمبغضین لنا»(2).
5- روى صاحب نوادر الأصول: (عن علي - عليه السلام - عنه
قال:
«قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم إن لك فی الجنة کنزا وإنک ذو قرنیها فلا تتبعن من النظرة النظرة فإن لک الأولی ولیست لك الأخری، فمعنی الکنز فاطمة وقرنیها الحسن و الحسین - علیهم السلام - صیرها بمنزلة الکنز لأن الکنز موضوع مستور إلیه الموبل وسائر المال ظاهر یذهب ویجیء والکنز أصل المال فشبه فاطمة - علیها السلام - عنها من نعیم الجنة بالکنز من المال ثم قال وأنت ذو قرنیها نسب»)(3).
ص: 51
6- روى الشيخ الطوسي بسنده عن الأمالي: (عن موسى بن جعفر،
عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عليهم السلام، عن جابر بن عبد
الله الأنصاري، قال:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما صلاة الفجر، ثم
انفتل وأقبل علينا يحدثنا، فقال:
«أیّها الناس، من فقد الشمس فلیتمسك بالقمر، ومن فقد القمر فلیتمسك بالفرقدین».
قال: فقمت أنا وأيوب الأنصاري ومعنا أنس بن مالك، فقلنا يا رسول
الله، من الشمس؟ قال:
«أنا».
فإذا هو صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لنا مثلا، فقال:
«إن الله تعالی خلقنا وجعلنا بمنزلة نجوم السماء کلما غاب نجم طلع نجم، فأنا الشمس فإذا ذهب بی فتمسکوا بالقمر».
قلنا: فمن القمر؟ قال:
«أخی ووصیی ووزیری وقاضی دینی وأبو ولدی وخلیفتی فی أهلی علی بن أبی طالب».
قلنا: فمن الفرقدان؟ قال:
«الحسن والحسین».
ص: 52
ثم مكث ملياً وقال:
«فاطمة هی الزهرة، وعترتی أهل بیتی هم مه القرآن والقرآن معهم، لایفترقان حتی یردا علیّ الحوض»)(1).
وهذه الأحاديث النبوية إنما جاءت لبيان السبيل لتحقيق الأمن الفكري
وعصمته من الانحراف والضلال ومن ثم الهلاك في الدنيا والآخرة وذلك عند
انحراف الفكر في الوجهة واتباع أهل البدع وأئمة الهوى والباطل وترك أئمة
الهدى والحق والصدق.
تأصيله في الأمة
بعد استخدام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لمجموعة من
الوسائل في تأصيل الأمن الفكري في الأمة كي يحقق لها العيش الكريم والنجاة
في الدنيا والآخرة وذلك من خلال بيان مجموعة من المحاذير والتوصيات
لأصحابه والأمة جمعاء وليقطع الطريق على الكفار والمنافقين وأصحاب
القلوب المريضة في تسميم الأفكار وهلاك الدين والدنيا.
وعليه: يبدأ صلى الله عليه وآله وسلم بعد تلك المرحلة التأصيلية
للأمن الفكري بمجموعة من المحاذير والتوصيات لغرض بناء الأمن الفكري
في الأمة:
ص: 53
وقد سلك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا التحذير
مسلك القرآن الكريم وذلك لما جاءت به مجموعة من الآيات الكريمة الدالة
على أسس بناء الأمن الفكري، وهي:
1. قال تعالى:
«وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1).
2. وقال سبحانه وتعالى:
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»(2).
3. وقال عزّ وجل:
«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»(3).
وهذه التحذيرات القرآنية قرنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ص: 54
بتحذيرات أخرى، فكان منها:
1. ما أخرجه البخاري عن أبي زرعة عن جرير أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال له في حجة الوداع استنصت(1) الناس فقال:
«لا ترجعوا بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض»(2).
ومما لا شك فيه أن المراد برجوعهم كفاراً هو لاختلافاتهم في الفكر
والعقيدة إلى الحد الذي يكفر بعضهم بعضاً فيستحل قتل أخيه المسلم، وما
يشهده العالم الإسلامي اليوم من اقتتال وتكفير بين الفرق والجماعات
والمذاهب فضلاً عن تفشي الفكر التكفيري هو خير شاهد على هذا الحديث
الشريف وهذا أولاً.
وثانياً: إن إطلاقه صلى الله عليه وآله وسلم لهذا التحذير في هذه
السنة، أي: عام الفتح ليكشف عن ترسيخه للأمن الفكري في الأمة لاسيما
وإن ذلك قبل وفاته بعامين، ومن ثم فهو قد أبلغ الأمة ما تحتاج إليه من
أحكام دينها ولم يبق إلا بيان الثوابت التي يحرز بها الأمن الفكري الذي به
يتحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.
ثالثا: إن هذا التحذير جاء بعد أن حدد لهم من يرجعون إليه من بعد
وفاته كي يأمن على دينهم وعقيدتهم، أي الإعلان والتبليغ عن الخليفة
ص: 55
والوصي من بعده والذي تم في حجة الوداع عند رجوعه من مكة إلى المدينة
فقال في غدير خم:
«من کنت مولاه فهذا علی مولاه، الله والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1).
ولنا عودة للحديث ودلالته في تحقيق الأمن الفكري.
2. أخرج الحاكم النيسابوري عن عوف بن مالك، عنه صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال:
«ستفترق أمتی علی بعض وسبعین فرقة أعظمها فرقة قوم یقیسون الأمور برأیهم فیحرمون الحلال ویحللون الحرام»(2).
3. أخرج الترمذي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قال:
«تفرقت الیهود علی إحدی وسبعین فرقة أو اثنتین وسبعین فرقة، والنصاری مثل ذلك وتفترق أمتی علی ثلاث وسبعین فرقة»(3).
4. وأخرج ابن ماجة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
«إن بنی إسرائیل افترقت علی إحدی وسبعین فرقة، وإن أمتی تفترق علی ثنتین وسبعین فرقة، کلها فی النار إلا واحدة، وهی
ص: 56
الجماعة»(1).
ولا شك أن الافتراق أصبح حقيقة واقعة في الأمة منذ القرن الأول
للهجرة وإلى يومنا هذا إلا أن ما نسبه الرواة في ذيل الحديث في خصوص
الفرقة الناجية وهي (الجماعة) فهذا دخيل على الحديث متقول فيه على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لمجموعة من الأسباب.
1. إن كل فرقة من فرق المسلمين تدعي أنها الفرقة الناجية ولو علم
أبناء هذه الفرقة أنهم من أهل النار لما بقوا تحت رايتها يوماً واحداً إلا اللهم
من أراد الإثم والعصيان والطاغوتية.
2. إن لفظ (الجماعة) هو دخيل على عصر النبوة والخلافة، وقد ظهر
بعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه
وذلك بعد أن تمت اتفاقية الهدنة بين خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبين معاوية بن أبي سفيان صاحب الفرقة الباغية القاتلة للصحابي الجليل عمار بن ياسر عليه الرحمة والرضوان
في معركة صفين، ومن ثم قد سمي هذا العام الذي التقى فيه أهل الشام
والعراق بعام الجماعة فأصبحت هذه المفردة منذ ذلك الوقت تحت رعاية
الرواة ودراهم ودنانير معاوية بن أبي سفيان كي تكون أحد الدعائم لملك بني
أمية.
3. إن صدر الحديث ومضمونه ودلالته تتعارض مع ذيل الحديث وذلك
ص: 57
إن معظم الفرق الإسلامية تسمي نفسها بأهل السنة والجماعة، ومن ثم من
أين تفرقت هذه الفرق وهي تجتمع تحت معتقد واحد، وإن هذا التفرق يطلق
عليه لفظ (الجماعة) فهذا مخالف ومعارض للعقل البشري وسيرة المتشرعة في
جميع أنحاء الأرض.
4. حينما يكون هناك تفرق إلى هذا العدد فلابد أن تكون - بسياق هذا
الحديث النبوي - هناك فرقة واحدة من هذه الفرق، وهي التي التزمت الخط
المستقيم وثبتت على دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذه الفرقة هي التي يتحقق فيها الأمن الفكري أما ما عداها فقد
وقعت في التطرف والانحراف والإرهاب، وإن دراسة هذه الانحرافات
والتطرف لدى هذه الجماعات لتجتمع مع جميع الفرق من حيث مرتكزات
وثوابت العقيدة لديها وهذا الأمر لا يحتاج إلى تدليل في العصر الحالي مع
تقدم وسائل البحث والمعرفة، وإن جميع هذه الفرق لا تخرج عن التمسك
بعدالة الصحابة وتوجب عدم الدخول فيها شجر بينهم، ومن ثم قطع الطريق
على معرفة المرتكزات التي تحقق الأمن الفكري للمسلمين، إذ السؤال
المطروح: من أين جاء هذا التطرف والانحراف ليتوج بالإرهاب والتكفير
والدعوات عند الجميع عند قطع الرؤوس هي: (الله أكبر).
حث عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إن تتبع الباحث لتاريخ الفرق الإسلامية والمذاهب العقدية والمشارب
ص: 58
الفقهية ليجد أن معظم هذه الشرائح والطبقات لتدعو إلى هدف واحد وهو
ترك شجر ما بين الصحابة لدرجة الحرمة وحمل ما وقع بينهم من الاختلافات
إلى حد القتل والتكفير لاسيما وإن هذه الحقيقة هي أكثر الحقائق ظهوراً في
القرن الأول للهجرة النبوية؛ بل إننا لنجد أن أول المقتولين من رموز الخلافة
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أبو بكر، فقد دس إليه
السم، ومات مسموماً(1).
وعليه: فإن الإقدام على قتل الخليفة بالسم لم يكن مصادفة وإنما عن
سبق إصرار وترصد ومن ثم وجود فكر تطرفي وتكفيري منذ ذلك الوقت أدى
إلى إصدار اجتهادٍ بقتل وإلصاق اغتيال الخليفة في ظهر اليهود الذين دسوا إليه
السم قبل سنة من موته؛ وهذه الرواية التي تصرح بالاغتيال تصرح أيضاً
بتضييع الحقائق وإخفاء القاتل الحقيقي لاسيما وإن الادعاء بأن أبا بكر قد
دس إليها السم من قبل سنة أغرب من الخيال.
وذلك أن الذي أقدم على قتل أبي بكر لم يأت إلى المدينة من قارة أخرى
وإنما هو واحد من الصحابة اجتهد فأخطأ فله أجر واحد كما يصر أهل الفتيا
على إدخال هذه القاعدة في جميع ما يتعلق بالصحابة.
وكذا حال عمر بن الخطاب فقد بقر في بطنه ومات من الطعن، وإن هذا
الذي أقدم على قتله اجتهد فأخطأ بناءً على قاعدة الاجتهاد.
ص: 59
أما حال عثمان بن عفان فهو الأسوأ فقد دخل المسلمون بقيادة بعض
الصحابة إلى داره بعد محاصرته فقتل في داره وأمام عياله بفعل تلك الثوابت
التي تنادي بها الجماعات (الإسلامية) في كل زمان ومكان في الوقت الذي
ينادون فيه بلزوم الجماعة وعدالة الصحابة، ففي الوقت نفسه يقتلون
الصحابة، ويشوهون صورهم ومنهجهم وسيرتهم.
ولعل الرجوع إلى حديث من قام الصحابة بقتله، أي عثمان بن عفان
وإن هؤلاء القتلة منهم من بايع تحت الشجرة، ليفي بالغرض إلى ضرورة
دراسة ما شجر بين الصحابة، دراسة علمية دقيقة كي يضع للأمة مرتكزات
أمنها الفكري؛ وإن هذا المنهج العلمي الذي أسسه الإمام علي بن أبي طالب
عليه السلام وتكتم عليه أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية والرياسات
وتحت شعار (عدالة الصحابة) و(السنة والجماعة) هو أحد السبل المهمة في تحقيق الأمن الفكري وذلك بقطع الطريق على أئمة الضلال في اختيار ما
يتناسب مع أهوائهم وبدعهم فيرجعون هذا الأمر أو ذاك إلى فعل الصحابي.
وعليه:
فلنتأمل في حديث عثمان بن عفان مع عبد الله بن عباس حينما
حاصره المسلمون بقيادة بعض رموز الصحابة بعد جهد جهيد في الدخول إلى
دار الخلافة.
روى الطبري عن بشر بن سعيد، قال: حدثني عبد الله بن عباس بن أبي
ربيعة قال:
ص: 60
(دخلت على عثمان فتحدثت عنده ساعة فقال: يا ابن عباس! تعال
فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا كلاماً: منهم من
يقول ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: أنظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا
وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟
فقيل: ها هو ذا، قال: فجاء ابن عديس فناجاه بشيء ثم رجع ابن
عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل أو يخرج من
عنده، قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال
عثمان: اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألّبَهم، والله
إني لأرجو أن يكون منها صفرا، وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل
له، سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول:
«لایحل دم امرئ مسلم إلا فی إحدی ثلاث، رجل کفر بعد إسلامه فیقتل، أو رجل زنی بعد إحصانه فیرجم أو رجل قتل نفسا بغیر نفس».
ففيم أقتل؟ ثم رجع عثمان، قال ابن عباس: فأردت أن أرجع فمنعوني. حتى مرّ بي محمد بن أبي بكر فقال خلوه؛ فخلوني)(1).
والملاحظ في الرواية أمور، منها:
1. إن الذي أمر بقتل عثمان بن عفان وألب الناس عليه هو طلحة بن
عبيد الله وهو أحد المبشرين بالجنة!!
ص: 61
2. إن (ابن عديس) هو: الصحابي عبد الرحمن بن عديس البلوي،
مصري، شهد الحديبية وكان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تحت الشجرة وفي زمن عثمان بن عفان كان هو الأمير على الجيش القادمين
من مصر إلى المدينة الذين حاصروا عثمان فقتلوه(1).
3. إن هذا الصحابي الذي كان قائد الجيش الذي حاصر عثمان وقتله
في داره وأمام عياله هو ممن نزل فيهم قوله تعالى:
«لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»(2).
ومن ثم كيف يكون الصحابي عبدالرحمن بن عديس البلوي ممن رضي
الله عنه، وقد علم ما في قلبه، وأنزل عليه السكينة، ووعده بفتح، ومغانم
كثيرة، وهو القائد لتلك المجموعة التي حاصرت خليفة المسلمين؟! فهو أحد
حالات عدة، وهي:
أ: إما أن يكون عبد الرحمن بن عديس على حق فيكون حاله كما
نصت عليه الآية المباركة.
ص: 62
ب: وإما أن عثمان بن عفان - وبنص تلك الآية المباركة المنزهة لفعل
عبد الرحمن بن عديس - على باطل.
ج: وإما أن فتنة عظيمة وقعت بين الصحابة لا يعلم مخرجها وأن
الأمور التبست على الناس فتاهوا عن دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله
وسلم.
د: وإما أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أوضح البيان
وأعذر في النصح وأصدع بالنذارة وبالغ في البشارة وبين لهم السبيل والعروة
الوثقى وسفينة النجاة وهادي الأمة من بعده إلا أنهم تركوا السُّنة واتبعوا
الأباطيل والبدع فضاعوا وأضاعوا المسلمين من بعدهم.
وعليه:
لا يمكن أن يكون الصحابة كلهم على درجة واحدة من التقوى
والإيمان والصدق فإن ذلك مخالف للقرآن والسنة والتاريخ والحياة البشرية
لاسيما وأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد نبه الأمة إلى بطلان
عدالة الصحابة، وأن منهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم من ضلّ عن
السبيل واتبع الأهواء؛ ولعل الرجوع إلى تقييم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لأصحابه خير دليل على قطع الاحتجاج والجدال في أمرهم، فقد
أخرج البخاري وغيره مجموعة من الأحاديث الشريفة تكشف عن هذه
الحقيقة، فكان منها:
ص: 63
1. أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
قال:
«إنکم تحشرون حفاة عراة غُرلاً».
ثم قرأ صلى الله عليه وآله وسلم:
«... كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»(1).
«وأول من یکسی یوم القیامة إبراهیم علیه السلام؛ وأن أناساً من
أصحابی یؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول:
أصحابی، أصحابی؛ فیقال: إنهم لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم!!!
فأقول کما قال العبد الصالح:
«... وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»(2) (3).
2. وعنه أيضاً أخرج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال:
«أنا فرطکم علی الحوض ولیرفعن رجال منکم ثم لیختلجن دونی، فأقول: یا رب أصحابی؟ فیقال: إنك لاتدری ما أحدثوا
ص: 64
بعدك؟»(1).
3. وعنه أيضاً عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، إنه كان يحدث: أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«یرد علیّ یوم القیامة من أصحابی فیجلون عن الحوض فأقول:
یا رب أصحابی، فیقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا من بعدك
إنهم ارتدوا علی أدبارهم القهقری»(2).
وفي لفظ قريب عن ابن شهاب الزهري، عن ابن المسيب، أنه كان
يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال:
«یرد علیّ الحوض رجال من أصحابی فیحلؤون عنه، فأقول: یا
رب أصحابی؟
فیقول: إنك لاعلم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علی أدبارهم القهقری»(3).
وهذه الأحاديث تكشف عن جملة من المسائل العقدية المهمة.
أولاً: إن المدعى القائل بأن جميع الصحابة عدول هو مدعى كاذب
ومخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: من الأقوال التي ابتدعها الساسة وأصحاب المصالح، في تنزيه
ص: 65
الصحابة جميعاً عن الوقوع في الآثام هو إلصاق هذا الخلل بالنبي الأعظم
صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بلحاظ أنه - والعياذ بالله - لم يتمكن من
إصلاحهم!! في حين نجد أن القرآن والسنة تكذب هذا القول وهو ما ورد عنه
صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الأول حينما يقال له:
«لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم!!!».
فيرد قائلاً:
«فأقول کما قال العبد الصالح:
«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(1) (2).
ثالثاً: إن كثيراً منهم وبنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد
ارتدوا من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وهي حقيقة أجمعت عليها
هذه الأحاديث جميعاً.
رابعاً: كما أجمعت هذه الأحاديث النبوية التي أخرجها البخاري: أن
الصحابة قد أحدثوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«وإن شر الأمور محدثاتها، وکل محدثة بدعة وکل بدعة ضلالة، وکل ضلالة فی النار»(3).
ص: 66
والحقيقة المتعلقة بالأمن الفكري هي: وجوب معرفة ما شجر بين
الصحابة لغرض التمييز بين ما هو شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وبين ما هو شريعة غيره؛ بين ما هو محدث مبتدع وضلال، وبين ما هو سنة
وهدى ونجاة؛ فتكون نتيجته الأمن والأمان والطمأنينة والحياة الكريمة
المتحضرة.
بين: «لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم»(1)!!
وبین: «إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل
ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا
عليّ الحوض»(2).
وبين:
«إن الله عز وجل مولای وأنا مولی کل مؤمن أخذ بید علی علیه السلام فقال: من کنت مولاه فهذا ولیه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(3).
وعليه: فمن أراد الأمن الفكري فعليه بالتمسك بالثقلين كما أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال الله تعالى:
ص: 67
«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»(1).
إن من البداهة بمكان أن يكون مفهوم الأمن الفكري في الإسلام
متجذراً لاسيما وأن القرآن الكريم قد حدد الآليات التي ترافق سلامة الفكر
عند خوضه في معرفة ما يتعلق بالآيات والآفاق والأنفس والأمثال، وفي
سعي الإنسان لمعرفة الدين والحكمة وطلب العلم فضلاً عن البيان النبوي في
إرشاد المسلمين إلى القواعد والضوابط والأصول التي من تمسك بها نجا من
الانحراف الفكري والبدع والمحدثات ولعل ما تم إيراده آنفاً فيه الكفاية لمعرفة
حرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تحقيق الأمن الفكري
للمسلمين.
من هنا:
ليس من الغريب أن ينطلق الصحابة لاسيما من تسنى لهم الإمساك
بزمام الأمور والجلوس في محل السلطة وقيادة المسلمين، وبالأخص الخلفاء
الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، والولاة الذين نصبوا من قبلهم على الأمصار
ص: 68
الإسلامية، في إرساء الأمن الفكري في الأمة.
بمعنى: أن الوسائل والتطبيقات التي استخدمها الخلفاء الثلاثة كانت
ترتكز على إرساء مفهوم هؤلاء الخلفاء للأمن الفكري وليس على بيان
القرآن والسنة وتحقيق حفظ المسلم من الضلال والانحراف عن خط الإسلام.
بدليل:
1- إنّ الوسائل التي استخدمها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
في إرساء الأمن الفكري وتطبيقه تختلف عن وسائل هؤلاء الخلفاء والولاة
الذين جاءوا من بعدهم كبني أمية وبني العباس.
2- إن مفهوم الأمن الفكري في القرآن والسنة النبوية يرتكز على
التمسك بالثقلين القرآن والعترة النبوية عليهم السلام؛ في حين كان التركيز
عند الخلفاء على الاجتهادات والتأويلات الخاصة وإبعاد العترة النبوية عن
جميع مظاهر الحياة وعلى ذلك سار الخلف إلى الآن.
3- إن هذه الإجراءات والوسائل كانت تختلف من خليفة إلى آخر إلا أنها كانت متفقة على ترسيخ منصب الخلافة والخليفة في نفوس المسلمين
والتصدي لكل ما من شأنه أن يعيق تحقيق هذا الهدف.
وعليه:
يصبح الأمن الفكري هو:
1. أمن الخلافة والخليفة.
ص: 69
2. أمن الملك والمملكة.
3. أمن الأمير والإمارة.
4. أمن السلطان والسلطنة.
5. وحديثا: أمن الدولة.
فجميع هذه المؤسسات الأمنية معنية بتحقيق الأمن الفكري الكفيل
ببقاء هذه الرموز ولا شك يصبح مفهوم الانحراف بتغيير فكر الإنسان في
وجوب الطاعة للخليفة أو الملك أو الأمير أو السلطان أو الرئيس أو من يرتبط
بهم؛ ومن ثم لم نجد من خلال هذه الدراسة والبحث تلاقياً بين مفهوم الأمن
الفكري في القرآن والسنة وبين مفهومه عند الخلفاء والولاة، ما عدا أمير
المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فقد لزم الوسائل
والتطبيقات التي نص عليها القرآن والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
وهو الوحيد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حقق الأمن
الفكري للأمة وأمر أصحابه والمسلمين عامة بتحقيقه وهو ما سنعرض له
خلال هذه الدراسة.
إن أول الإجراءات التي سارت لتحقيق مفهوم الأمن الفكري بعد وفاة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عند تولي أبي بكر أمر المسلمين
وقيادتهم؛ إلا أن هذا المفهوم - كما أسلفنا - كان مختلفا عن بيان القرآن
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من خلال نوع الوسائل التي
ص: 70
استخدمها أبو بكر في إرساء الأمن الفكري وتطبيقه في الأمة؛ فكانت هذه
الوسائل كالآتي:
إن أول وسيلة قام بها أبو بكر لإرساء الأمن الفكري بمفهومه الجديد
المتعلق بتحقيق أمن الخليفة والخلافة هو جمعه للمسلمين في المسجد النبوي
بعد حادثة السقيفة ومبايعة الناس له في اليوم التالي البيعة العامة ومخاطبته لهم
بخطبة قصيرة إلا أنها محددة في إيصال بيان ملامح العهد الجديد وما يراد منهم
في هذه المرحلة الحساسة والحرجة من عمر الإسلام والمسلمين، فكانت
كالآتي:
روى ابن سعد في الطبقات وغيره، وخرجه الزيلعي فكان بهذه الألفاظ:
1- أخرج الزيلعي بسنده عن الحسن، قال:
(لما استخلف أبو بكر تكلم بكلام والله ما تكلم به أحد غيره، فقال:
يا أيها الناس تكلفوني سنة نبيكم محمد صلى الله عليه - وآله - وسلم،
وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي إني والله لوددت أنكم كفيتموني وإن لي
شيطاناً يعتريني فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم،
وتعاهدوني بأنفسكم فإن استقمت فاتبعوني وإن زغت فقوموني)(1).
ص: 71
2- وأخرج هذه الخطبة ابن سعد (المتوفى 230 ه) بلفظ آخر قال أبو
بكر: (أما بعد: فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم
كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى
الله عليه - وآله - وسلم لم أقم به! كان رسول الله صلى الله عليه - وآله -
وسلم عبداً أكرمه الله بالوحي وعصمه به ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من
أحد منكم، فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتموني زغت
فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا
أوثر في أشعاركم وأبشاركم)(1).
3- وأخرجها الصنعاني عن الحسن، فقال: إن أبا بكر خطب فقال:
(أما والله ما أنا بخير منكم، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً، ولوددت لو
أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلى الله عليه
- وآله - وسلم إذا لا أقوم لها، إن رسول الله كان يعصم بالوحي، وكان معه
ملك، وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم
ولا أبشاركم، ألا فراعوني فإن استقمت فاعينوني؛ إن زغت فقوموني)(2).
وهذه الخطبة التي أخرجها الحفاظ بألفاظ متقاربة نصت على تطبيق
الأمن الفكري بمفهومه الذي أراده أبو بكر والمرتكز على عدم مطالبته العمل
بسنة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم والذي جاء بألفاظ هي:
ص: 72
1- (ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله
صلى الله عليه - وآله - وسلم لم أقم به).
2- (يا أيها الناس تكلفوني سنة نبيكم محمد صلى الله عليه - وآله -
وسلم وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي).
3- (أفتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلى الله عليه - وآله -
وسلم إذا لا أقوم لها).
ولا شك أن هذا النهي في المطالبة في أن يعمل أبو بكر بسنة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم هو بداية عهد جديد له أصوله الفكرية ومنهجه
القيادي للأمة وهو ما يعبر عنه اليوم (بالإيدلوجية).
وإن هذه الأيدلوجية تقتضي أن يبدأ بسُنة جديدة غير التي كان يعمل بها
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وإن السُنة المخالفة للسُنة النبوية ترتكز على عمل الخليفة الشخصي
ورأيه واستحساناته وإن كانت مخالفة لعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وذلك لسببين:
1- إنه غير معصوم.
2- إن له شيطاناً يعتريه.
في حين أن السبب الأول يشترك فيه جميع المسلمين؛ ومن ثم هل يلزم
ذلك ترك العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ص: 73
وأما السبب الثاني فلم يقل به أحد وبهذه الصورة والكيفية غير أبي
بكر!!
وعليه:
يبقى السؤال المطروح حينها: بأي سنة يطالب علماء المذاهب
الإسلامية المسلمين العمل بها: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي
لم يستطع أبو بكر العمل بها، ومنع المسلمين من المطالبة بها، أم سنته هو؟!
إن الوسيلة الثانية التي كشفتها الخطبة، هي: معاقبة من يعترض على
الخليفة ويثير غضبه معاقبة شديدة لا يُؤْثر فيها الخليفة أبو بكر قطع الرؤوس
أو الأيدي والأرجل أو الجلد.
ولا شك أن الذي يثير غضب أبي بكر هو الاعتراضات على تركه لسنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بسنته ورأيه هو، وهو الأمر
الذي دفعه إلى ربط ترك مطالبتهم له بالعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم مع التهديد لهم في إثارة غضبه، فهذا الغضب سيدفعه إلى: قطع
رؤوسهم وهو ما عبر عنه بلفظ (أشعاركم) بلحاظ أن الرأس هو مجمع
الشعر، وإلى الجلد وهو ما عبّر عنه بلفظ (أبشاركم).
فكان هذا الإنذار والوعيد هو أول الوسائل لتطبيق الأمن الفكري في
عهد أبي بكر.
ص: 74
يعدّ الكتاب أو الورق المكتوب أو أي وسيلة تستخدم للتدوين والكتابة
هي خزيناً فكريّاً لأي أمة من الأمم وعنوان حضارتها، ومن ثم تشكل المادة
المكتوبة أهم ما تمتلكه الأمم من فكر وحضارة وقيمة بل ووجود فكم من أمة
ضاعت بضياع مادتها الفكرية المكتوبة.
من هنا:
أدركت الشعوب والأمم أن المكتبات ومحل جمع الكتب وخزنها أو
الوثائق أو أي أثر من آثارها يشكل دلالة على حياة هذه الشعوب أو الأمم،
وأن الحفاظ عليها حفاظ على حياة الأمة وعنوان بقائها وهويتها ولذلك:
سعت الدول المستبدة والمستعمرة على إتلاف وحرق هذه الآثار عند
غزوها للبلاد والأمم الأخرى لغرض إنهاء وجودها من الحياة ومن ثم قتل أو
إعدام أي مظهر من مظاهر هذه الأمة وإنهاء وجودها الذي يشكل منافساً
لوجودها.
ولعل التاريخ العربي والإسلامي غني بما تعرض له من غزوات فكرية كان الكتاب والوثيقة والأثر هم أول المقتولين أو المستهدفين.
أما التراث الشيعي فحدّثْ ولا حرج فيما تعرض له من الحرق
والإتلاف وإلى يومنا هذا والأمر لا يحتاج إلى تدليل؛ إذ يكفي الباحث
والقارئ أن ينظر إلى سعي الحكام في طمس سيرة علي بن أبي طالب وفضائله
ص: 75
عليه السلام كمحاولة لتحقيق الأمن الفكري بحسب مفاهيم أعداء علي بن
أبي طالب عليه السلام.
من هنا:
لا شك أن أبا بكر كان له دوره المميز في تحقيق الأمن الفكري بمفهومه
هو، هذا المفهوم الذي تحددت ملامحه من خلال خطبته الأولى في المسلمين
بعد السقيفة ومبايعة الناس له.
فكان من وسائله في تحقيق هذا المفهوم للأمن الفكري هو: جمع
الحديث النبوي وحرقه وهي حقيقة صرحت بها عائشة زوج النبي الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم التي شهدت هذه الحادثة وكانت الراوي لها،
فتقول:
(جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وكانت
خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً، قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب
لشكوى أو لشيء بلغك؟
فلما أصبح، قال: بنية، هلمي الأحاديث التي عندك؛ فجئته بها، فدعا
بنار فحرقها!!! فقلت:
لم أحرقتها؟!
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد
ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك)(1).
ص: 76
ولقد حاول الحافظ ابن كثير والحافظ السيوطي إيجاد توجيه لهذا
الفعل(1)؛ أما الحافظ الذهبي فقد عقّب على الحديث قائلاً: (فهذا لا يصح
والله أعلم)(2).
ولا شك أن الأحاديث النبوية أكثر بكثير من هذا العدد الذي ذكرته
عائشة أو الذي حاولت أن تقدمه للناس على أن عدد الأحاديث التي جمعها
أبو بكر ثم أحرقها هي بهذا العدد أو لعله تصحيف من الرواة فقد تكون خمس
مائة ألف مثلاً فمحيت كلمة ألف، أو لعلها كانت كما ذكرت عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنها كانت مصنفة ضمن موضوع ما،
وعنوان محدد، قد يتعلق بالصحابة، أو بحدث السقيفة، أو بعترة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، أو بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه خاصة، أو به
شخصياً، أي بأبي بكر، أو بوقوع الفتن كخروج عائشة إلى حرب علي بن أبي
طالب عليه السلام، أو غير ذلك.
ومهما يكن من أمرٍ فإن حرق الأحاديث النبوية هو وسيلة لتحقيق
الأمن الفكري وإن كان للغرض الذي ذكره أبو بكر، فقال:
(خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد
ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك).
ص: 77
ولا يخفى: أن هذه العلة والغرض الذي صرح به أبو بكر معمول به في
كثير من بلاد المسلمين وغير المسلمين وذلك في منعها للثقافات المغايرة لثقافتها
وحجبها للكثير من وسائل المعرفة كالكتاب أو غيره؛ إلا أن تغير الوسائل في
نقل المعرفة في الوقت المعاصر أصبحت فوق هذه السلطات ومن ثم لا يمكن
حجب المعرفة بعد اليوم مما يتطلب تقنية فكرية ترشد الإنسان إلى كيفية انتقاء
المعرفة لغرض تحقيق الأمن الفكري وهو ما سنعرض له في وسائل أمير
المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في تحقيق الأمن الفكري.
وسلم
لم ينته الأمر في تحقيق الأمن الفكري عند أبي بكر بحرق الأحاديث
النبوية وإنما جمع الناس وأمرهم بترك الحديث عن العهد السابق، أي: منع
التحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت هذه الوسيلة
الجديدة على النحو الآتي:
عن ابن أبي مليكة قال:
(إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال:
إنكم تحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث
تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً!
فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا
ص: 78
حرامه)(1).
والحديث يرشد إلى جملة من الأمور:
1- هذا الجمع الذي عبّر عنه ابن أبي مليكة هو للصحابة من المهاجرين
والأنصار الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهدوا سيرته وحياته،
ومن ثم فالمنع كان للصحابة جميعاً.
2- إن هذا الاختلاف في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يدعو إلى أمور، منها:
ألف: إن فيهم من كان يزيد أو ينقص في الحديث النبوي إما عامداً أو
ساهياً.
باء: إن فيهم المتقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما
وأن طبقة المنافقين والمؤلفة قلوبهم والطلقاء وغيرهم، وجميع هؤلاء تشملهم
صفة الصحبة كما حددها علماء السنة والجماعة.
جيم: إن هذا الاختلاف يدعو إلى وجوب أن يكون للأمة إمام
منصوص عليه من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يرجع الناس إليه
بعد نبيهم في معرفة شريعة الله تعالى وحلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وحرامه.
دال: إن هذا الاختلاف يدل على أن الأمة بعد وفاة رسول الله صلى
ص: 79
الله عليه وآله وسلم لا يمكن لها أن تنجو ما لم تتمسك بالثقلين كتاب الله
وعترة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك في المحدثات والشبهات
والبدع.
3- إن منع الناس من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لغرض منع الاختلاف في الحديث لا يحقق منع الاختلاف بل إنه
ليزيدهم اختلافاً وذلك أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه، والعام
والخاص، والمطلق والمفيد وغير ذلك فأنى للناس فهم القرآن وبيان حلاله
وحرامه وقد اختلفوا في بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لشريعة
الإسلام، أي: إذا كان الناس كما يدعي أبو بكر قد اختلفوا في الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بين ظهرانيهم يعلمهم ويزكيهم،
صادعاً بالنذارة يدعو إلى بيان شريعة ربه ليلاً ونهاراً سراً وجهراً فكيف بهم
في فهم مراد الوحي وتطبيق شرع الله تعالى وقد قيده الله تعالى بأهله، وهم
أهل الذكر؛ وهم الراسخون في العلم فقال عزّ وجل:
«...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).
وقال سبحانه وتعالى:
«...وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ..»(2).
ص: 80
ومن ثم لم يمكن الداعي الحقيقي في منع الناس من التحديث بأحاديث
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الاختلاف في هذه الأحاديث وإنما
وسيلة أخرى من وسائل الأمن الفكري بمفهومه الجديد عند أبي بكر
والمقتضي بحسب هذه النصوص وغيرها - كما سيمر في عهد عمر وعثمان -
حجب سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وسنته والبدء بسنة
الشيخين كما عرفها السلف وتعبد بها الخلف.
شهد العصر الذي تولى فيه عمر بن الخطاب قيادة الأمة الإسلامية بعد
وفاة أبي بكر من الوسائل في تحقيق الأمن الفكري وتطبيقاته ما لم يشهده
عصر آخر في عمر الخلافة الإسلامية، وذلك أن هذه الوسائل كانت هي
الأسس القوية التي قام عليها منهج الحكام الذين حكموا البلاد الإسلامية
فيما بعد فصار ذلك سنة ولم يزل هذا المنهج هو المعمول به إلى يومنا هذا ولا
اعتقد أنه سيتغير مع كل هذه التقنيات الحديثة في نقل المعلومة.
والسبب في ذلك أن أئمة المسلمين سابقاً وحاضراً ومستقبلاً لم يكن
ليخرجوا من هذه الأسس التي تعني قيام شخوصهم ومدار حياتهم وعنوان وجودهم فإن ذهبت ذهبوا معها وهذا ما لم يسمحوا به؛ فهو أمنهم الفكري
والحياتي.
وعليه:
ص: 81
فإن هذه الوسائل العمرية في تطبيق الأمن الفكري كان لها الدور
الأساس في تقديم سنة جديدة للمسلمين، عنوانها العام وظاهرها السُنة
النبوية. وحقيقتها - كما أثبتته النصوص - سنة عمر.
فكانت هذه الوسائل لتحقيق الأمن الفكري كالآتي:
تظهر النصوص التي سنوردها في هذه المسألة أن أولى اهتمامات خليفة
المسلمين هي حجب جميع المعارف التي بين يدي الناس، وأن أهم هذه
المعارف التي لزم منعها وحجبها في عهد عمر بن الخطاب هي سُنة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم انطلاقاً من اعتقاده بأن المصدر الوحيد الذي يلزم
الاعتماد عليه والأخذ منه هو القرآن الكريم.
مما يعني: فتح المجال للاجتهادات والآراء والتأويلات، وحيث إن عمر
ابن الخطاب كان على رأس الهرم في قيادة الخلافة الإسلامية آنذاك فهذا يحتم
أن يكون له الرأي الأول في بيان ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم.
بمعنى أدق: أن ذلك سيجعل طريقته ورأيه وسنته هي البديل عن السنة
النبوية بل وجميع ما يتعلق بالإسلام فكراً وعقيدة وشريعة، وهو ما سعى إليه
عمر بن الخطاب خلال توليه الحكم.
أما هذه النصوص فسنوردها ضمن نقاط ونجعل لكل نص عنواناً كما
صدرنا أولاً بعنوان: منع تدوين سُنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد روى الخطيب البغدادي، وابن عبد البر وغيرهما عن الزهري عن
ص: 82
عروة بن الزبير:
(إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السُنن، فاستشار فيها أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأشار عليه عامتهم بذلك، فلبث عمر
شهراً يستخير الله في ذلك شاكاً فيه؛ ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال:
إني قد كنت ذكرت لكم من كتاب السُنن ما قد علمتم، ثم تذكرت،فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً، فأكبوا عليها،
وتركوا كتاب الله؛ وإني والله لا ألبس بشيء أبداً، فترك كتاب السنن)(1).
ويكشف النص عن جملة من الأمور:
1- لقد حاول البعض تبرير هذا الفعل الذي أقدم عليه عمر بن
الخطاب وتخريج معنى يدفع حقيقة منع تدوين السنة النبوية ومحوها - كما
سيمر - إلا أن كل تبرير مهما كان لا يمكن أن يلزم الباحث الثبت والقارئ
الفهم من تلميح هذا الفعل الذي أقدم عليه الخليفة(2).
2- يظهر أن الدافع في استشارة عمر بن الخطاب صحابة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم هو لمعرفة توجهاتم اتجاه السنة النبوية فلو وجد له
أنصاراً في منع تدوينها لاستعان بهم إلا أنه وجد العكس فقد أشار جميع
الصحابة عليه بكتابة السنة النبوية مما دفعه إلى التفكير شهراً كاملاً في إيجاد
ص: 83
مخرج معقول يسد فيه هذا الرأي الجامع عند الصحابة؛ فكان المخرج حرصه
على القرآن، الذي لم يصمد أمام منهجه في الأمن الفكري في إيجاد السنة
البديلة والفكر البديل؛ وإلا حتى قراءة القرآن كذاك لم تسلم من وسائل عمر
ابن الخطاب في تطبيق الأمن الفكري بمفهومه العمري.
3- لا شك أن هناك أحاديث كثيرة يتداولها المسلمون اليوم في وجوب
اتباع الجماعة ولزوم الصحابة والتمسك بالسلف الصالح؛ والسؤال المطروح:
أين عمر بن الخطاب من جماعة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وهؤلاء السلف الصالح الذين أجمعوا على كتابة سنن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فيقدم على مخالفة الجماعة، والصحابة، والسلف الصالح،
ويعمل برأيه ويلزمهم به؟!
أليس هذا الفعل خروجاً على الجماعة وإعراضاً بالسلف الصالح؟! أم
أن هذه الشعارات لا واقع لها إلا عندما تتقدم المصالح والمناصب والأمراض
القلبية.
4- أما مقارنته لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل
الكتاب وهم حملة القرآن والسنن (وخير أهل القرون) فهذا يحتاج من المسلمين إلى مراجعة رأيهم في صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ لعل تقييم
عمر بن الخطاب لهم صحيح وممكن فيكون تركهم للقرآن حقيقة واقعة أراد
ابن الخطاب منع وقوعها ضمن مشروعه في تحقيق الأمن الفكري.
5- أو أن الدافع لهذا الإجراء الذي أقدم عليه عمر بن الخطاب هو
ص: 84
إيجاد الذريعة في منع الصحابة من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم؛ وهذا ما نجده في ثانياً.
إن ما يؤكد حقيقة تحجيم السُنة النبوية وهجرها بوسائل الأمن الفكري
التي أقدم عليها عمر بن الخطاب هو تلك الإجراءات المتتابعة التي استخدمها
ابن الخطاب في منعه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
التحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما دلت عليه
النصوص الآتية:
1- أخرج الحاكم النيسابوري عن قرظة بن كعب، قال:
(خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر بن الخطاب، إلى صرار فتوضّأ،
ثم قال:
أتدرون لم مشيت معكم؟
قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله صلى الله - عليه وآله - وسلم،
مشيت معنا.
قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا
تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله
صلى الله عليه - وآله - وسلم، وأمضوا وأنا شريككم.
فلما قدم قرظة - العراق - قالوا: حدّثنا؟
ص: 85
قال: نهانا ابن الخطاب)(1).
2- وفي لفظ آخر أخرجه ابن ماجة، عن الشعبي، عن قرظة بن كعب،
قال:
(بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال
له صرار، فقال:
أتدرون لم مشيت معكم؟
قال، قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولحق
الأنصار.
قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن
تحفظوه لممشاي معكم؛ إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز
كهزيز المرجل؛ فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمد؛
فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، ثم أنا
شريككم)(2).
قال قرظة بن كعب:
(وأنا كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وإني لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سكت)(3)!!!
ص: 86
3- وهاتان الروايتان لم تصرح باسم القرية التي توجه إليها مجموعة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن الدارمي المتوفى سنة
255 ه قد صرّح عنها كما في الرواية الآتية التي أخرجها عن طريق (أشعث
ابن سوار عن الشعبي، عن قرظة بن كعب قال: بعث عمر بن الخطاب رهطاً
من الأنصار إلى الكوفة فبعثني معهم فجعل يمشي معنا حتى أتى صرار،
وصرار ماء في طريق المدينة، فجعل ينفض الغبار عن رجليه، ثم قال: إنكم
تأتون الكوفة، فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب
محمد، قدم أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيأتونكم
فيسألونكم عن الحديث، فاعلموا أن أسبغ الوضوء ثلاث وثنتان تجزيان، ثم
قال: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوما لهم أزيز بالقرآن، فيقولون: قدم
أصحاب محمد، قدم أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فيأتونكم
فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله
- وسلم، وأنا شريككم فيه.
قال قرظة: وإن كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وإني لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سكت)(1).
4- عن السائب بن يزيد قال:
(سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول
ص: 87
الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لألحقنك بأرض دوس وقال لكعب:
(لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة))(1).
والأحاديث تكشف عن أمور:
1- لا شك أن العقول حينما يطبق عليها التعصب فإنها لا تهتدي
الفهم، ولذلك فقد فهم البعض هذا الأمر الصريح من عمر بن الخطاب في
منع الصحابة من الحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
أن المراد من هذا الفعل العمري ليس السنن والفرائض، فقال:
(ومعناه عندي الحديث عن أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ليس السنن والفرائض)(2).
والسؤال المطروح: وهل السنة إلا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وفعله وتقريره؟ فمنذ متى أصبحت حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مقسّمة إلى سنن وفرائض وقصص حياتية؟ سبحان الله عما تصفون!!
2- إن قول عمر بن الخطاب: (فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله
عليه - وآله - وسلم) عامة ومطلقة بالمنع عن تحديث الناس عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن هذا الحديث يعيد الناس إلى سنة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم لا يتحقق لعمر بن الخطاب تثبيت سنته
كفكر ومنهج بديل عن السنة النبوية وهو ما يسعى إليه في هذا المنع.
ص: 88
ولذا:
كان المنع أحد الوسائل التي اعتمدها ابن الخطاب في تحقيق الأمن
الفكري لإرساء السنة العمرية في المجتمع الإسلامي، بعد أن قام بمنع التدوين
في المدينة المنورة وحينما وجد أن هذا المنع لا يكفي في المدينة وذلك لانتشار حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج المدينة قام فقدم على أمرٍ
جديد كما في (ثالثاً).
إن هذا الهدف المرجو في منع الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم والذي يسعى إليه خليفة المسلمين من خلال مجموعة من الوسائل، في
تحقيق الأمن الفكري وإرساء السنة الجديدة في المجتمع الإسلامي لم يقتصر
على ما مرّ ذكره من منع التدوين، ومنع تحديث الناس عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم والرواية عنه؛ بل تعداه كذاك إلى وسيلة أخرى وهي
أخطر من الوسيلتين السابقتين، وهي: تعميم أمره على الأمصار الإسلامية
بمحو السنة النبوية، كما يدل النص الآتي:
(عن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له
أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شيء فليمحه)(1).
والرواية ترشد إلى ما يلي:
ص: 89
1- إنها تقطع الشك بأن ابن الخطاب لم يفرق بين السنن والفرائض أو
القصص الحياتية من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته كما أدعى
البعض وإنما محو جميع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وقد
استشار الصحابة في ذلك فأشاروا عليه جميعاً بتدوينها - كما مر سابقاً - مما
يعني أنه اكتشف أنهم أي الصحابة على رأي واحد في حفظ سنة نبيهم.
ومن ثم يلزم تحقيق هدفه في إيجاد السنة العمرية كبديل عن السنة النبوية
بعد هذا الإصرار والاتفاق لدى الصحابة في جمعها؛ ووجد أيضاً أن لا بديل
لتحقيق هذا الهدف في إرساء الأمن الفكري بمفهومه العمري سوى العمل
على محو السنة النبوية في جميع المدن الإسلامية، أي القضاء التام على هذه
السنة سواء كانت بين يدي الصحابة في المدينة أو في غيرها من المدن التي
دخلها الإسلام.
2- إنّ البحث يفرض سؤالاً في غاية الأهمية، وهو: إن هذا الأمر
الصادر من الخليفة عمر بن الخطاب كيف خالفه أصحاب السنن والصحاح
وهم يعتقدون بأن مخالفة الشيخين من المهلكات، فمن جهة تمسكوا ببدعه
(الحسنة) كصلاة التراويح، وتحريم زواج المتعة، وحذف كلمة (حي على خيرالعمل) من الأذان وغير ذلك من الأحكام والشرائع، ومن جهة أخرى خالفوا
أمره فيما يلي:
أ: محو السنة النبوية.
ب: الاكتفاء بالقرآن (حسبنا كتاب الله).
ص: 90
ج: (أقلوا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا
شريككم).
إنه سؤال سنعرف إجابته يوم القيامة حينما يقف الخليفة وأصحاب
الصحاح والسنن بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
فلَسألُنّ عن ذلك.
الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لا شك أن عمر بن الخطاب كان كثير البحث عن الوسائل التي تحقق
الأمن الفكري في المجتمع والمرتكز على إزالة كل ما له علاقة برسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولأجل تحقيق هذا الأمر فقد واجه محاولات
عديدة من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغايرة لهذا الهدف، مما
تطلب أن يجد الوسائل الأخرى والتي تبدو أنها لم تنتهِ عند حد؛ وذلك أن
إصرار بعض الصحابة على الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من جهة، ومن جهة أخرى أن الأمر لم ينحصر في اثنين أو ثلاثة من الصحابة،
فَجُلُّ الصحابة كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك
كانت وسائله في تحقيق الأمن الفكري بين كر وفر فيما بينه وبين صحابة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مما دفعه إلى استخدام وسيلة جديدة
هذه المرة بعد ان منعهم من الحديث فلم يفلح الأمر، وأمرهم بمحو السنّة فلم
ص: 91
ينجح الأمر، فقدم هذه المرة على حبس بعض صحابة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم الذين خالفوا أمر ابن الخطاب وتمردوا على طاعته فكانوا
يفشون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس ويتذاكرون
فيما بينهم.
وهو ما كشفته الرواية الآتية:
فعن محمد بن إسحاق قال: أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف، عن أبيه، قال:
(والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فجمعهم من الآفاق، عبد الله بن حذافة، وأبا الدرداء،
وأبا ذر، وعقبة بن عامر، فقال:
ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه - وآله
وسلم - في الآفاق؟
قالوا: أتنهانا؟!
قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم
نأخذ ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات)(1).
وفي لفظ آخر، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، أنه قال:
(قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود، ولأبي الدرداء، ولأبي ذر:
ص: 92
ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم؟
ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات)(1).
والأحاديث ترشد إلى أمور، منها:
1- إن هذه الوسيلة التي استخدمها عمر بن الخطاب وهي الحجر على
النخب وفرض الإقامة الجبرية عليهم هي من الوسائل التي تعتمدها كثير من
الحكومات السابقة واللاحقة كمحاولة منها لفرض طوق على الأفكار التي
تحملها هذه النخب ولا شك أن هذه الوسيلة لها تأثيرها على هذه النخب
ولكن لا يمكن فرض الإقامة الجبرية على الأفكار فكثير منها ينتقل بين الناس
ويستقر عند أهل العقول.
2- لا يخفى أن هذه النخبة من الصحابة الذين فرض عليهم عمر بن
الخطاب الإقامة الجبرية ومنعهم من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم كان لسبب آخر لم يصرح به الرواة وأضمره ابن الخطاب في صدره كما
أضمر العلة في مرافقته للصحابة الذين بعثهم إلى الكوفة ثم سألهم: (أتدرون
لم مشيت معكم) ثم صرّح لهم عن السبب؛ وكذاك حاله في استدعاء هذه
النخبة من الصحابة ومنعهم من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن السبب هو: بيانهم لما يتعلق بأمر أحقية علي بن أبي طالب عليه
السلام بالخلافة بقرينة وجود أبي ذر الغفاري (عليه الرحمة والرضوان) والذي
ص: 93
عرف بتمسكه ومناصرته لعلي بن أبي طالب عليه السلام ومواجهة الخلفاء
الثلاثة وتصديه لوسائلهم العديدة في الأمن الفكري بمنع الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعريف الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وسنته.
3- كما تكشف الرواية عن وجود عيون لعمر بن الخطاب ترقب
الصحابة وما يفعلون، ولذا قال لهم لما أحضرهم، (ما هذه الأحاديث التي
أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الآفاق).
إن الذي يستفاد من الروايات أن الخليفة في كر وفر مع صحابة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في استخدام وسائله المتعددة في تطبيق الأمن
الفكري المقتضي إزالة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستحداث
سنته بدلاً عنها تحت ذريعة الحفاظ على القرآن.
إلا أن هذه المحاولات كانت تواجه بمحاولات معاكسة من الصحابة؛
فمثلاً حينما أمرهم بترك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
واجهها الصحابة بالكتابة سراً حتى كثرت هذه الكتب بين أيدي الصحابة
حينها وجد ابن الخطاب أن إبقاء هذه الكتب مع منع الصحابة من الرواية عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الأمر بمحوها لا يجدي نفعاً مع بقاء
هذه الكتب.
وكذلك: وجد أن الوسيلة الأنجح في تحقيق الأمن الفكري المقتضي
ص: 94
إعدام السنة النبوية وإحياء السنة العمريّة هو حرق الكتب التي دون فيها
الصحابة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما كشفته
الروايتان الآتيتان:
1- لما بلغه - أي عمر بن الخطاب - أنه قد ظهرت في أيدي الصحابة
كتب استنكرها وكرهها وقال:
(أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى الله
أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاباً إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي.
فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب)(1).
2- فعن ابن سعد قال: أخبرنا زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي، قال:
أخبرنا عبد الله بن العلاء، قال: سألت القاسم يملي عليّ أحاديث فقال: إن
الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما
أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب)(2).
والروايتان ترشدان إلى أمور، منها:
1- التأكيد على أن عمر بن الخطاب كان لديه عيون على الصحابة
يأتون إليه بأخبارهم وماذا يتحدثون ويفعلون، ولذا قال لهم: (إنه قد بلغني
أنه قد ظهرت في أيديكم كتب).
ص: 95
2- إن الصحابة لو علموا بأن عمر بن الخطاب كان سيقدم على حرق
كتبهم لما أتوه بها، وإن عمر كان يدرك ذلك ولذا: لم يخبرهم بنيته المبيتة،
فاستعاض عنها بقوله: (فأرى فيه رأيي) أي في هذه الكتب فكان رأيه الذي
أظهره فعله هو الحرق لهذه الكتب.
3- أما قوله: (أمنية كأمنية أهل الكتاب) فهو تعريض وانتقاص من
شأن الصحابة الذين نالوا منزلة في الفكر الإسلامي غير التي وضعهم فيها عمر
ابن الخطاب.
4- من أين اطلع عمر بن الخطاب على قلوب جميع الصحابة فعرف
أن أمانيهم كأمانيّ أهل الكتاب؟!
ولذلك: كان المراد مع كيل الاتهامات للصحابة هو تحقيق الأمن
الفكري في إزالة الفكر الذي ارتكز في أذهان الصحابة وهو سنة رسول الله
صلى الله عليه وسيرته وهديه.
والدليل: إن عمر بن الخطاب لم يثبت على عذر في تطبيق أمنه الفكري
على الصحابة فبين اتهام الصحابة بالانقلاب على الإسلام واتباع اليهود
والنصارى في تحريف دينهم وأن هذه الأماني لا تتحقق، وبين ادعائه في هذه
الوسائل وتطبيقها الحفاظ على القرآن إلا أن هذه الادعاءات سرعان ما
تكشفت للصحابة وللمسلمين وذلك أنه منعهم من قراءة القرآن وبيانه، ومن
ثم يبقى الأمر الجلي في تحقيق الأمن الفكري بمفهومه العمري هو إزالة السنة
النبوية من الذاكرة الإسلامية؛ وهو ما دلت عليه الرواية الآتية في منع عمر
ص: 96
الصحابة من بيانهم بياناً للقرآن عند قراءته.
روى ابن شبة النمري (المتوفى سنة 262 ه)، عن السائب بن يزيد ابن
أخت النمر: (إن عمر بن الخطاب قال: ألا لا أعلمن ما قال أحدكم: إن
عمر بن الخطاب منعنا أن نقرأ كتاب الله، إني ليس لذلك أمنعكم، ولكن
أحدكم يقوم لكتاب الله والناس يستمعون إليه، ثم يأتي بالحديث من قبل
نفسه، إن حديثكم شر الحديث، وإن كلامكم هو شر الكلام، من قام منكم
فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس، فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل: قال
فلان وقال فلان وترك كتاب الله)(1).
والحديث يكشف عن أمور؛ منها:
1- لا شك أن عمر يدرك الحالة التي عليها الصحابة في نفرتهم لهذا
القرار الذي سيصدره بحقهم، وذلك لالتصاقه بالقرآن الكريم؛ بل كان يدرك
أن هذا الفعل ليس له تفسير آخر، أي: إن المقصود في منعهم من بيان مسائل
القرآن وتفسيره هو نفس القرآن.
إذ ما فائدة القراءة دون تدبر في الكتاب وما جاء فيه من لطائف وأحكام
وعلوم، فضلاً عن أنهم لم يكونوا متأولين في القرآن، إذ لو كانوا من المتأولين
فيه لأنالهم ابن الخطاب العقاب الشديد وذلك أنه سيستند إلى القرآن نفسه في
ص: 97
منعه الناس من التأويل.
وعليه:
كان ابن الخطاب يدرك كما كان الصحابة يدركون أن المستهدف في
تحقيق الأمن الفكري لدى ابن الخطاب هو نفس القرآن، بمعنى: يصبح هذا
الكتاب الذي فيه دستور المسلمين ومنهل شريعتهم صامتاً غير ناطق لا يدرك
معانيه السامعون ولا القارئون.
2- إن كثيراً منهم حينما كان يقرأ القرآن وما جاء فيه من السنة في بيان
مقاصد الآيات في كشفها لحال الأمة والصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ومترلة آل البيت وحقهم وشأنهم كان يحدث الناس بما سمعه من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أسباب النزول ومقاصد الآيات المباركة وهذا ما لا يرغب فيه عمر بن الخطاب؛ لأنه يتقاطع مع منهجه في
تحقيق الأمن الفكري العمري، والمقتضي - كما أسلفنا - إرساء السنة
العمرية كبديل عن السنة المحمدية في المجتمع المسلم.
3- إن هذه الأقوال كانت تصدر عن الصحابة والتي وصفها عمر بن
الخطاب ب(شر الكلام وشر الحديث) معتمدة عند معظم المفسرين للقرآن
الكريم؛ والسؤال المطروح:
كيف غفل علماء المسلمين عن نهي عمر ووصفه لحديث الصحابة
وكلامهم في بيان القرآن بشر الحديث وشر الكلام؛ ولماذا أداروا ظهورهم
لوصفه هذا، وكأن الصحابة لا تعنيهم بشيء، أو لعل القرآن وبيان أحكامه
ص: 98
لا يعنيهم؟
4- إن هذه النصوص تكشف عن الدوافع التي كانت سبباً في
استخدام عمر بن الخطاب لهذه الوسائل في تطبيق الأمن الفكري في المجتمع
الإسلامي، وهي: حصر أمر الإفتاء به وحده ومنع الصحابة من ذلك وقد
اعتمد ابن الخطاب وسائل جديدة في تحقيق حصر أمر الإفتاء به وحده، ومن
ثم تحقيق هدفه في جعلها سنة عمرية لا نبوية؛ وهو ما سنعرض له فيما يلي:
له أن يفتي الناس في دينهم
تشير الروايات إلى أن عمر بن الخطاب قد أحكم التخطيط في تحقيق
هدفه المنشود وهو خلق السنة العمرية في المجتمع بديلاً عن العهد القديم
الذي اعتمد على السنة المحمدية مستخدماً عدة وسائل في تحقيق الأمن
الفكري في المجتمع الذي يضمن له إحياء هذه السنة الجديدة.
ومن هذه الوسائل الجديدة هو منع الصحابة من الإفتاء وحصره به
وحده؛ وقد كشف هذا القرار عن الدوافع الحقيقية لاستخدام عمر بن
الخطاب كل هذه الوسائل في تحقيق الأمن الفكري المقتضي إيجاد سنة واحدة
في المجتمع ألا وهي السنة العمرية.
فقد روى الصنعاني (المتوفى 211 ه)، وابن عبد البر، وابن عساكر،
والمتقي الهندي وغيرهم عن ابن سيرين:
ص: 99
(أن عمر قال لأبي موسى بن مسعود(1) أنا بلغني أنك تقضي ولست
بأمير؟ قال: بلى قال: فول حارها من تولى قارها)(2).
وفي لفظ آخر أخرجه الدارمي في سننه:
(عن ابن محمد، قال: قال عمر لأبي مسعود الأنصاري: أنبئت أنك
تفتي - الناس - ولست بأمير؛ فول حارها من تولى قارها)(3).
والحديث واضح الدلالة في منع الصحابة من الإفتاء بعلة كونهم أمراء
مما يعني حصر الأمر بعمر بن الخطاب فهو يرى أن الأمر منحصر فيه لكونه
الأمير.
بل تعداه إلى أبعد من ذلك وهو منع الناس من السؤال عن دينهم
ومعرفة تكاليفهم الشرعية دون أن يبين السبب في هذا المنع كما دلت الرواية
الآتية في (ثامناً).
ص: 100
إن المنع الذي أقدم عليه عمر بن الخطاب لابن مسعود قد أثر بصورة
مباشرة على سير الفتيا لدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولعل وجود عيون لابن الخطاب عليهم كما مر بيانه من خلال النصوص هو
الذي جعلهم يمتنعون عن بيان الأحكام الشرعية.
بل إن خوفهم من التعرض للتعذيب كما حدث مع عبد الله ضبيع
الذي قدم من البصرة جنوب العراق إلى المدينة في خلافة ابن الخطاب
ومباشرة عمر بتعذيبه لجريمة سؤاله عن الآيات المتشابه في القرآن ليكفي في
جعل الصحابة شَديدوا الحذر من نشر العلم وبيان مقاصد الشريعة سواء ما
تعلق بالقرآن أو السنة النبوية.
وهو ما كشفته النصوص الآتية:
1- عن عطاء بن السائب قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى
يقول: أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا سئل أحدهم عن المسألة أحب أن يكفيه
غيره)(1).
2- وذكر الدارمي عن داود، أنه قال: (سألت الشعبي كيف كنتم
تصنعون إذا سئلتم؟ قال: على الخبير وقعت كان إذا سئل الرجل قال
ص: 101
لصاحبه أفتهم فلا يزال حتى يرجع إلى الأول)(1).
فهذا هو حال الصحابة والتابعين في تعليم الناس وإرشادهم إلى أمور
دينهم؛ أما من يقدم للمدينة من المسلمين لكي يتعلم ويسأل عن أمور دينهم
فإن حاله يرثى له، بل إنه ليحرم على نفسه ألا يعود إلى المدينة حتى يلقى
ملك الموت!!
فأخرج الدارمي في سننه عن سليمان بن يسار: (أن رجلا قدم المدينة
يقال له ضبيع - وهو من أهل البصرة - فجعل يسأل عن تشابه القرآن،
فأرسل إليه عمر - بن الخطاب - فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله، ضبيع. قال: وأنا عبد الله، عمر.
فضربه حتى دمى رأسه، فقال - ضبيع -: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد
ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة)(2).
وعن سعيد بن المسيب: (فأمر به عمر فضرب مائة سوط، فلما برئ
دعاه فضربه مائة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرّم
على الناس مجالسته)(3).
وذكر السائب بن يزيد: (وكتب - عمر - إلى أبي موسى، يأمره أن
ص: 102
يحرم على الناس مجالسته، وإن يقوم في الناس خطيبا، ثم يقول: إن ضبيعاً قد
ابتغى العلم فأخطأه.
فلم يزل - الرجل - وضيعا في قومه حتى هلك)(1)!
وعليه:
فقد ترك هذا الفعل الذي قام به عمر بن الخطاب مع عبد الله ضبيع
آثاره النفسية والاجتماعية ليس فقط في المدينة المنورة وإنما سرى ذلك إلى
المدن الأخرى مما منع تداول الحديث أو العلم والسعي في طلبه؛ ومن ثم كانت
هذه الوسيلة في تحقيق (الأمن الفكري) لها خصوصيتها الردعية على المجتمع
الإسلامي.
ولقد أشاد كثير من الباحثين في الوقت الراهن بهذه الوسيلة التي
استخدمها عمر بن الخطاب في ردع من يسأل عن القرآن ومعرفة آياته
وأحكامه كالمتشابه أو المحكم وغير ذلك مما يدخل تحت عنوان طلب العلوم
الشرعية، بل ودعوا إلى اعتماد هذه الوسيلة مع طالب العلم ومعرفة الشريعة
لغرض تحقيق الأمن الفكري كما فهمه عمر بن الخطاب؛ لأنهم يرون أن
سنته هي الأنسب للمجتمع كما سيمر؛ مما يجر إلى حالة القطع في أن الدافع
في هذه الوسائل التي استخدمها عمر بن الخطاب هي إيجاد سنة وشرعة
جديدة في المجتمع الذي لم يبق فيه سوى المسميات فإن كان الصحابة
ص: 103
يلتجئون إلى الحديث النبوي منعوا بحجة الاكتفاء بالقرآن وحده؛ وإن جاءوا
إلى القرآن وما فيه منعوا بحجة أقرانه بآرائهم وفهمهم لآياته وبيانهم لمقاصده؛
وهم كما عرف القارئ الكريم حملة العلم وخير أهل القرون وغير ذلك مما ورد
في حقهم.
وعليه: يبقى الهدف في الأمن الفكري عند خليفة المسلمين عمر بن
الخطاب هو إيجاد شرعة جديدة مشرعها الأول عمر بن الخطاب ومن ثم
يقتضي الأمن الفكري في المجتمع منع كل ما له علاقة بالشريعة السابقة حتى
أصبح المسلمون أمام شريعتين ومنهجين وسنتين، سنة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وسنة ابن الخطاب وهو ما كشف عنه الخليفة الأموي عمر
ابن عبد العزيز في أمره إلى أبي بكر بن حزم، وهو ما نتناوله في (تاسعاً).
الخطاب في تحقيق الأمن الفكري
تظهر الرواية الآتية التي أخرجها الدارمي في سننه أن خليفة المسلمين قد
نجاحاً ملحوظاً في تحقيق الأمن الفكري المقتضي ترسيخ سنة عمر بن الخطاب
في الفكر الإسلامي وتزاحمها وتدافعها لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم حتى أصبح التابعيون وأبناؤهم ومن سار على منهجهم وهديهم
يرجحون سنة ابن الخطاب على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
بل أصبحت هي السنة وغيرها البدعة.
ص: 104
ولعل رجوع الباحث أو القارئ إلى مسألة (صلاة التراويح)، وإدخال
(كلمة الصلاة خير من النوم)، وحذف كلمة (حي على خير العمل)، و(تحريم
زواج المتعة)، و(الطلاق الثلاثي في مجلس واحد)؛ وغيرها من السنن الجديدة
لتكفي في إثبات هذه الحقيقة التي تنص على رجحان سنة عمر بن الخطاب
على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بعمل تلك الوسائل
التي استخدمها في تحقيق الأمن الفكري في المجتمع الإسلامي.
إلى الحد الذي رأى فيه الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أهمية ترسيخ
هاتين السنتين في الفكر الإسلامي حتى بات في ثوابت الفكر والعقيدة، بل ومما
يحقق براءة الذمة وينال فاعله رضا الله - والعياذ بالله -.
وعليه: تكشف هذه الرواية التي أخرجها الدارمي في سننه عن هذه
الحقيقة التي بني عليها الفكر الإسلامي قديما وحاضراً، وهي كالآتي:
(عن عبد الله بن دينار قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم: أن أكتب إليّ بما ثبت عندك من الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحديث عمر فإني قد خشيت درس العلم
وذهابه)(1).
وهذا يكشف عن دور بني أمية في حفظ سنة عمر بن الخطاب وموازاتها
للسنة النبوية بعد أن خشي عمر بن عبد العزيز من درسها وذهابها.
ص: 105
وهو يدرك أن تلك الوسائل التي استخدمها عمر بن الخطاب وتطبيقها في المجتمع الإسلامي قد أسهمت في تضييع كثير من أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وسننه وهديه وسيرته ومن ثم فالمسلمون اليوم يعملون
بحديث عمر لا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما مرّ من
خلال البحث.
ص: 106
لا شك أن هذه الوسائل والتطبيقات التي جرت خلال خلافة أبي بكر
وعمر للمسلمين قد أسست لثقافة بديلة وأنشأت مكونات جديدة عملت
على تغيير الاتجاه نحو سنة الشيخين مما مكن الأمويين من استغلال هذه
الثقافة وتسخيرها في إثبات سنتهم وشرعتهم في الفكر الإسلامي حتى طغت
هذه السنة الأموية على السنة النبوية وسنة الشيخين وباستجابة قوية لم يزل
يشهدها المسلمون وغيرهم حتى يومنا هذا.
وما ظهور الإرهاب والفكر التكفيري في العالم الإسلامي إلا لتلك
الجذور والأسس التي عمل عليها السلف؛ ضمن مجموعة من الوسائل في
تحقيق الأمن الفكري كما مرّ بيانه في المبحث السابق.
مما كون ثقافة جديدة عمل بنو أمية ومن سار على هديهم على إرسائها
في الفكر الإسلامي ضمن عملية التثاقف وخلق مكونات تغيير الاتجاه حتى
ص: 107
بات المسلم لا يرى سوى هذه الثقافة المرتكزة على مبدأ التكفير كعقيدة
إسلامية تضمن لمنتحلها الدخول إلى الجنة.
وعليه:
يلزم هنا الرجوع إلى عملية التثاقف ودراسة تلك الوسائل والعوامل
التي أنشأت ثقافة الإرهاب والتكفير التي غلبت في هذا العصر على ثقافة
التعايش السلمي وقبول الآخر وتحقيق الأمن الفكري والفردي والمجتمعي
والوطني.
جديدة
تنصب هذه الإجراءات التي قام بها أبو بكر وعمر في تحقيق الأمن
الفكري في الإناسة الاجتماعية الثقافية التي اهتم علماؤها اليوم بدراسة إمكانية تغيير ثقافة الإنسان وتحويله إلى منتحل لثقافة جديدة؛ إذ لا يمكن أن
تكون هذه الإجراءات بمعزلٍ عن دراسة الإنسان وما يطرأ عليه من متغيرات
ثقافية واجتماعية وما ينتج عن هذه المتغيرات والمعطيات التي يتلقاها.
ولذلك:
حينما نأتي إلى علم الأنثروبولوجيا الذي اهتم بدراسة الإنسان وأنماط
حياته ولغته وثقافته نلمس خطورة هذه الاجراءات التي أقدم عليها أبو بكر
وعمر وإن كانت في غايتها تحقيق الأمن الفكري إلا أن هذا الأمن قد يرى
ص: 108
من منظور آخر فيدل على أنه (حجر فكري) أو (تغيير في الثقافة) التي نشأ
عليها المسلمون والتي سينشأ عليها أبناؤهم، وذلك بفعل عملية التثاقف التي
أوجدها بالدرجة الأساس عمر بن الخطاب خلال مدة جلوسه على (سلطان
محمد وإمارته)(1) كما يصفها بنفسه وما قام به من إجراءات مر بيانها في
المبحث السابق والتي أسست لثقافة جديدة في المجتمع الإسلامي عمل حكام
بني أمية جاهدين على نشرها والعمل بها في المجتمع الإسلامي.
وعليه:
كان للتثاقف دوره المميز في نشر هذه الثقافة الجديدة التي أوجدها أبو
بكر وعمر ضمن تلك الوسائل والتطبيقات، فكيف كان اثر هذا التثاقف؟
يعرف التثاقف بأنه: (التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين
تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر
معهما، مما يترتب عليه حدوث تغيرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في
إحدى هاتين الجماعتين أو فيهما معا)(2).
(وكان الباحث الأمريكي - ميلفين هرسكوفيترز (1895 - 1963)
أول من أطلق مصطلح التثاقف أو التزاوج الثقافي كدلالة على الدراسة
ص: 109
الأتنوغرافية التي تهتم بظاهرة الاتصال الثقافي بين الجماعات البشرية عن
طريق الاحتكاك)(1).
لقد تمكن عمر بن الخطاب بهذه الوسائل من إيجاد ثقافة جديدة في
المجتمع الإسلامي لاسيما في المدينة المنورة وأن هذه الثقافة التي أرسى
دعائهما الخليفة كانت نعم العون لحكام بني أمية في بناء مملكتهم وثقافتهم في
المجتمع الإسلامي وابتداءً من زمن عثمان بن عفان أول حكام بني أمية الذين
حكموا المسلمين.
والذين ظهرت في أزمنتهم عملية التثاقف أو المزاوجة بين ثقافة القرآن
والسنة النبوية - التي تأثرت بفعل تلك الوسائل والتطبيقات التي مارسها
الشيخان في تطبيق الأمن الفكري - وبين ثقافة السنة الأموية التي كانت
ترتكز على السنة العمرية ولعل الرجوع إلى بعض النصوص هو من قبيل
النافلة وليس الإثبات بعد أن أصبح واقع المسلمين اليوم لا يحتاج إلى إيراد
أدلة في انتشار ثقافة السنة الأموية، فكانت هذه النصوص الكاشفة عن
التناسق بين الوسائل التي استخدمها أبو بكر وعمر وسار عليها بنو أمية فبنوا
ثقافتهم الجديدة في الإسلام كالآتي:
فعن محمود بن لبيد قال:
ص: 110
(سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول:
لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد
عمر، فإنه لم يمنعني أن أحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
أن لا أكون من أوعى أصحابه، إلا أني سمعته يقول:
«من قال علیّ ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار»)(1).
والحديث يكشف عن جملة أمور، منها:
1- منع الحديث النبوي أو السنة النبوية في عهد عثمان بن عفان بعلة
عدم سماعه في عهد أبي بكر وعمر إذ لا يحل لأحد من الصحابة رواية حديث
خارج عن هذا الشرط؛ والسؤال المطروح:
إذا كان أبو بكر قد حرق الأحاديث النبوية، وكان عمر الخطاب قد أمر
بمحوها وعدم التحديث بها، وقام بحرقها، ومنع من قراءة القرآن عند بيان
مقاصد آياته؛ وغير ذلك مما مر سابقاً فأي وجود للحديث النبوي بقي في عهد
أبي بكر وفي عهد عمر بن الخطاب؟
2- إن المانع الذي قدمه عثمان بن عفان في روايته للحديث الشريف
هو أن يتقول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل؛ والسؤال
المطروح: فلماذا لم يروَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله فعلاً،
فهذه العلة مشروطة بكل مسلم سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ص: 111
ومن ثم المطلوب رواية ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس إخفاء
أحاديثه وضياعها والحجر عليها.
3- الغريب في الأمر أن هذا التعريض عام في جميع الصحابة مما
يكشف عن حالتين، وهما:
الأولى: إما أن الخليفة لا يثق بقسم كبير منهم فمنع من رواية الحديث
النبوي.
الثانية: وإما أن الأحاديث المكذوبة والموضوعة كانت طاغية في زمن
عثمان بن عفان فمنع رواية الأحاديث النبوية الشريفة.
فعلى هذا المنوال سار الحاكم الثاني من حكام بني أمية وهو معاوية بن
أبي سفيان، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عامر اليحصبي
قال:
(سمعت معاوية يقول: إياكم والأحاديث إلاّ حديثاً كان في عهد عمر،
فإن عمر كان يخيف الناس في الله)(1).
وفي لفظ أدق أخرجه ابن حبان في صحيحه، عن اليحصبي، أنه قال:
(سمعت معاوية يقول على منبر دمشق: إياكم وأحاديث رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - إلا حديثاً كان في عهد عمر، فإن عمر كان
ص: 112
يخيف الناس في الله...)(1).
ومن ثم نشأ الصحابة ومن بعدهم التابعيون على ثقافة منع الحديث
النبوي رواية وتدويناً وفي المقابل لابد من سد الفراغ في ما تحتاج إليه الناس في
أمور دينهم ودنياهم بعد هذا المنع.
فكانت الثقافة البديلة، ثقافة التشريعات العمرية والأموية التي قابلها
الإمام علي والأئمة من بعده عليهم السلام وبعض الصحابة الذين لزموا
منهج علي عليه السلام بثقافة القرآن والسنة المحمدية وهو ما عرف في
الأنثروبولوجيا بالتثاقف فنتج عنه تلك المذاهب والفرق الإسلامية.
حتى أصبح المسلمون على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة
واحدة؛ والغريب في الأمر، بل العجيب أن جميع هذه الفرق تدعي أنها هي
الناجية، والأغرب من ذلك ادعاؤهم أن هذه الفرقة هي الجماعة!! وكل هذه
الفرق هي في الواقع تعرف بأهل السنة والجماعة، فكيف أصبح مفهوم
الواحد (جماعة)؟!
للهجرة
لم يكن المسلمون - من أهل الجماعة - قد عملوا بتدوين الأحاديث،
بل بكل ما يتعلق بالإسلام إلا بعد مرور ما يقرب المائة والخمسين سنة، أما ما
ص: 113
قبل هذا التاريخ، أي خلال القرن الأول ونصف القرن الثاني فلم يكن هناك
شيء يدونه أهل السنة والجماعة.
أما مدرسة العترة النبوية فقد بدأت بالتدوين منذ عصر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وما بعد وفاته وإلى يومنا هذا(1)،على عكس أتباع مدرسة
الشيخين أبي بكر وعمر بن الخطاب.
وهي حقيقة نص عليها الحافظ الذهبي في تاريخه ضمن أحداث سنة
أربع وأربعين ومائة، فقال:
(وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه
والتفسير، فصنف ابن جريج التصانيف بمكة، وصنف سيد بن أبي عروبة،
وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، وصنف الأوزاعي بالشام، وصنف مالك الموطأ بالمدينة، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف معمر باليمن، وصنف
أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع،
ثم بعد يسير صنف هيثم كتبه، وصنف الليث بمصر وابن لهيعة، ثم ابن المبارك
وأبو سيف وابن وهب، وكثر تدوين العلم وتبويبه)(2).
والسؤال الذي يرد في البحث هو:
كيف تسنى للحفّاظ اعتماد التدوين بعد مائة وخمسين عاما من وفاة
ص: 114
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أتبين لهم خطأ الشيخين في حرق سنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع كتابتها فعمدوا إلى تصحيح هذا
الخطأ؟ أم أنهم قاموا بمخالفة سنة الشيخين فعمدوا إلى كتابة أحاديث رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أم أنهم أكرهوا على فعل ذلك؟
ومما يدل عليه:
ما روي عن الزهري، أنه قال: (كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه
هؤلاء الأمراء، فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين)(1).
والظاهر من قول الزهري أن السبب في كتابة العلم هو إكراه الأمراء
لحملة الأحاديث في تدوينها، وحيث إن الأمراء لا تتحرك من وحي الحفاظ
على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدر ما تندفع للحفاظ على
كرسي الحكم، فقد بدا أن الغرض من إكراه الزهري وجماعته على كتابة
الأحاديث هو: (تمكين الحكام الأمويين بتقديم مادة عقيدية وسيلة تخدم مصالح
أسرتهم الحاكمة)(2).
وهو الأمر الذي فهمه جولد تسهير من قول الزهري، فضلاً عن ذلك:
إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخبر عن تعرض السنة إلى
الحرق والمحو والمنع من نشرها وتدوينها حيث قال:
ص: 115
1- «یوشک الرجل متکئ علی أریکته یحدث بحدیثی، فیقول: بیننا وبینکم کتاب الله فما وجدنا فیه من حلال استحللناه ومن حرام حرّمناه»(1).
2- وفي لفظ آخر قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
«یوشک أحدکم أن یکذبنی وهو متکئ علی أریکته یحدث بحدیثی فیقول بیننا وبینکم کتاب الله فما وجدنا فیه من حلال استحللناه وما وجدنا فیه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مثل ما حرم الله»(2))(3).
والسؤال المطروح: على من تقع مسؤولية منع المسلمين من معرفة سنة
نبيهم، ومن الذي فرق بين السنة والقرآن وأضاع على الأمة الحلال والحرام؟!
ولعل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
«ألا وإن ما حرم رسول الله - صلی الله علیه وله وسلم - مثل ما حرم الله».
وقول أبي بكر: (فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا
بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه).
لتغني العاقل عن البحث والتقصي فإن توضيح الواضحات من أشكل،
ص: 116
المشكلات.
إذن:
تبدأ مرحلة التدوين بعد مرور مائة وخمسين سنة، وهنا بعض الأسئلة
تبحث عن أجوبة، وهي:
السؤال الأول: لابد أن المسلمين كانوا قبل هذا الوقت قد اعتمدوا
الحفظ ومجالس التحديث كابراً عن كابر فنشأ في المجتمع المسلم مجموعة من
رواة الأحاديث كانوا هم المادة الأساس للعلماء في تدوين مادتهم العلمية في
مصنفاتهم، وهنا نحن ملزمون بأمرين، وهما:
ألف: معرفة هؤلاء الرواة والوقوف عند حالهم وأحوالهم وما كان
يدور بينهم كي نطمئن على ما تم روايته إلى هؤلاء المدونين.
باء: معرفة هؤلاء الذين قاموا بالتدوين والوقوف على حالهم وعقيدتهم
بأهل البيت عليهم السلام وهل كانوا أمناء في نقلهم الحدث دون أن يكون
لعقائدهم دور في الكتابة فكتبوا ما يوافق عقائدهم وهواهم في علي بن أبي
طالب عليه السلام أم كانوا منصفين، وأقله كانوا محايدين.
السؤال الثاني: بعد أن لقيت الأحاديث النبوية الشريفة كل هذه الحملة
من الحرق والمحو والتخريق والتمزيق والمعاقبة الشديدة لمن يحدث منهم
بحديث واحد، فكم بقيت من هذه الأحاديث، وما هو العدد الحقيقي الذي تم
إتلافه أو الذي سلم؟
ص: 117
السؤال الثالث: كيف يتسنى لنا الوقوف على صحة هذه الأحاديث
التي دونت والرواة الذين سمعوها مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد توفّي كثير منهم، ومنهم من قد غفل عن قسم منها والتبس عليه قسم
آخر؟
السؤال الرابع: كيف يأمن الراوي على صحة ما يرويه وقد مضى على
سماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنين عديدة؟
السؤال الخامس: وهل الذي سمع من الصحابة لم يزد على ما سمع،
وخاصة إذا نظرنا إلى أن عمر بن الخطاب وبعد مرور بضع سنين من وفاة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يهدد الراوي لحديث رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بالويل والثبور إذا لم يأتِهِ ببينة تثبت صحة هذا
الحديث كما حدث مع أبي موسى الأشعري:
(فعن أبي سعيد: إنّ أبا موسى سلم على عمر ثلاث مرات فلم يؤذن
له، فرجع، فأرسل عمر في أثره، فقال: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إذا سلم أحدکم ثلاثاً فلم یجب فلیرجع».
قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك، فجاءنا أبو موسى منتقعا
لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟
فقلنا: كلنا سمعنا، فأرسلوا رجلاً منهم حتى أتى عمر فأخبره)(1)
ص: 118
وهذه الحادثة تطرح أسئلة أخرى:
1- كيف إذا كان هذا الرجل - الذي لم يصرح الرواة - متعاطفاً مع أبي
موسى فشهد له عند عمر بن الخطاب أنه سمع هذا الحديث من رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ويكون عكس الواقع لاسيما وأنه قد رأى (أبو
موسى منتقعا لونه) من شدة الخوف الذي نزل به من تهديد عمر بن الخطاب؟
2- وكيف لعمر بن الخطاب أن يطمئن لقول هذا الرجل المجهول ولم
يطمئن إلى قول أبي موسى؟!
فضلاً عن ذلك: فإن هذا الفعل العمري لم يكن مع أبي موسى فقط
وإنما كان مع كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فرض
عليهم الإقامة الجبرية، ومنعهم من مغادرة المدينة؛ ليس لمثلبة أو جرم قاموا به
وإنما لروايتهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإفشائه بين الناس
لغرض إحياء السنة النبوية ليس إلا.
لكن إجراءات الخليفة اقتضت الحجر على تعليم الناس دينهم ومعرفة
سنة نبيهم كي لا يبقى في المجتمع الإسلامي سوى السنة والتشريعات العمرية، ولعل الرجوع إلى بعض الشواهد التي مرّ بيانها سابقاً لتجعل الحقيقة
راسخة لدى الباحث والقارئ بأن الحجر الفكري انطلق منذ الأيام الأولى
لخلافة المسلمين، وهذا تذكير ببعض الشواهد:
1- أخرج الزيلعي بسنده عن الحسن، قال:
ص: 119
(لما استخلف أبو بكر تكلم بكلام والله ما تكلم به أحد غيره، فقال: يا
أيها الناس تكلفوني سنة نبيكم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن الله
كان يعصم نبيه بالوحي، إني والله لوددت أنكم كفيتموني، وأن لي شيطاناً
يعتريني، فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، وتعاهدوني
بأنفسكم فإن استقمت فاتبعوني وإن زغت فقوموني)(1).
2- وأخرج ابن سعد هذه الخطبة بلفظ:
(ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لم أقم به).
3- وأخرجه الصنعاني عن الحسن بلفظ:
(أفتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلى الله عليه - وآله -
وسلم إذا لا أقوم لها).
وحينما تولى عمر بن الخطاب خلافة المسلمين فجلس مجلس أبي بكر
فإن الشواهد في خلافته على تطبيق الحجر الفكري كانت كالآتي:
1- أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين، عن سعد
ابن إبراهيم عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود، ولأبي الدرداء،
ولأبي ذر: (ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب)(2).
ص: 120
2- روى الحافظ ابن عساكر الأموي الدمشقي عن إبراهيم بن سعد
حدثني أبي عن أبيه قال، قال: عمر لأبي ذر ولعبد الله بن مسعود، ولأبي
الدرداء:
(ما هذا الحديث الذي تحدثون عن محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأحسبه قال: حبسهم عنده).
وقد عقب ابن عساكر على هذه الرواية محاولاً تبرير فعل عمر بن
الخطاب الصريح في الحجر الفكري على كبار الصحابة فقال معتذراً عن ابن
الخطاب، فقال:
(وهذا من عمر لم يكن على وجه الاتهام لهم، وإنما أراد إقلالهم الرواية
لئلا يشتغل الناس بما يسمعونه منهم عن تعلم القرآن)(1).
والسؤال المطروح بأي شيء عرفوا هؤلاء بأنهم أهل السنة والسنة
محجور عليها في زمن عمر بن الخطاب، ثم لماذا التبرير فالناس لا تحتاج إلى من
يؤول لها الأحاديث أو يبرر فعل ابن الخطاب!! وهو يبذل قصارى جهده في
الحجر الفكري أو الأمن الفكري.
3- وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال:
(والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم - فجمعهم من الآفاق عبد الله - بن مسعود -
ص: 121
وحذيفة، وأبي الدرداء، وأبي ذر، وعقبة بن عامر، فقال ما هذه الأحاديث التي
قد أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآفاق؟
فقالوا: أتنهانا؟! قال: لا، أقيموا عندي، لا والله ما تفارقوني ما
عشت، فنحن أعلم ما نأخذ ونرد عليكم، فما فارقوا حتى مات، وما خرج
ابن مسعود إلى الكوفة - في زمن عثمان - إلا من حبس عمر في هذا
السبب)(1).
وهذا الحديث لا يحتاج إلى تبرير ولذا سكت عنه ابن عساكر وذلك كونه
واضح الدلالة في منع عمر بن الخطاب الصحابة لرواية الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعل ثمة أسئلة يطرحها الحديث، وهي:
1- من أين حصل عمر بن الخطاب على علم الدراية بالحديث النبوي
فادعى الأعلمية على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيأخذ
ويرد من هذه الأحاديث التي يرويها كبار الصحابة؟
2- لعل الدافع في منع الصحابة من رواية أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في الآفاق هو نوع هذه الأحاديث؛ بمعنى:
قد تكون هذه الأحاديث متعلقة بآل البيت عليهم السلام أو بفضائل
علي عليه السلام أو أحقيته بالخلافة كحديث الغدير أو غيرها.
ص: 122
أو لعل المنع كان متعلقاً ببيان حال بعض رموز الصحابة أو مجريات
السقيفة أو غير ذلك مما كان يخشاه عمر بن الخطاب أن ينتشر في الآفاق.
3- إن المنع لم يكن في هذا الحديث الذي تحدث فيه عمر بن الخطاب
صراحة هو لسبب تعلم الناس القرآن كما ادعى ابن عساكر وإنما الهدف
والغرض في ذلك هو عين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛
وهو أمر بات جلياً فلا يحتاج إلى تدليل أو إيراد للشواهد.
فهذا الفكر وهذه السنة النبوية محجور عليها في عهد أبي بكر وعمر وإن
دخلت اليوم أو من قبل ضمن مسميات وتبريرات عديدة، فالأمر الظاهر هو
الحجر الفكري الذي كان (الأمن) من ضمن وسائله وليس من غاياته.
وعليه:
فقد شكلت هذه الإجراءات ثقافة جديدة في المجتمع الإسلامي
وانتشرت بين الصحابة والتابعيين حتى أصبح المسلم يدور بين ثقافتين، الثقافة
العمرية المرتكزة على تشريعات وسنة جديد وفهم جديد، وثقافة القرآن
والعترة النبوية مما شكل بيئة خصبة لنشوء التفرقة والتحزب واندلاع الحروب
وظهور الفتن وطمع الطامعين وجلوس الطلقاء والأدعياء في مجالس الإمارة
وإدارة أمور البلاد والعباد.
وهو ما ظهر جلياً خلال عهد عثمان بن عفان وانحدار الأمور إلى
المستوى الذي أدى بالهجوم على دار الخليفة وقتله بيد الصحابة مباشرة أو
ص: 123
تحريضاً مما خلق أجواء مليئة بالمعطيات الثقافية المتغايرة انعكست على
المستوى الفكري والعقدي والاجتماعي للمسلمين سرعان ما ترجم على
الأرض إلى حروب ثلاثة هي الجمل وصفين والنهروان، برز فيها ظهور
الناكثين والقاسطين والمارقين.
الجماعة
إنّ هذه الحالة التي سادت المجتمع الإسلامي برمته من التدهور الأمني المرتكز على تلك المعطيات الفكرية التي أوجدها الخلفاء الثلاثة من خلال
وسائل (الأمن الفكري) وتطبيقاته التي اتخذت الحجر الفكري غاية أساسية في
تعاملها مع المسلمين قد مهد لظهور حالة جديدة في المجتمع الإسلامي بعد
عام الجماعة، ألا وهي حالة الاضطهاد الفكري عند تولي معاوية بن أبي
سفيان الحكم واتباعه لوسائل جديدة في التعامل مع المسلمين في تحقيق
الاضطهاد الفكري، فكانت هذه الوسائل كالآتي:
والتفكير
إن من أبرز مظاهر الاضطهاد الفكري أن يهجر الإنسان من محل سكناه
لكونه يفكر بعقله لا بعقل غيره، ويؤمن ويحبّ بقلبه لا بقلب غيره!!
فيحاسب ويقهر ويهجّر لكونه - وبحسب نظر أولئك المضطهدين - قد
ص: 124
ارتكب جريمة كبرى؛ لأنه تجرأ أن يفكر بغير عقولهم ويؤمن ويحب بغير
قلوبهم.
ولذا: لا مكان له بينهم فهو أمام خيارين، إما أن يلغي عقله وقلبه؛
لأن هناك من يفكر بالنيابة عنه، ومن يحب عوضاً عنه، وإما أن يرحل شاء
ذلك أم أبى!
وهذا هو الذي حصل في الكوفة في أثناء تولي معاوية بن أبي سفيان
الحكم على المسلمين، وهو الأمر الذي قد يتصوره المرء - أي هذا التهجير
والتطرف - محال الوقوع في تلك الحقبة التي لم تكن بالبعيدة عن وفاة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أو أن يتصور البعض أن هذا التهجير والتطرف هو من إفرازات
المجتمعات المعاصرة، ولاسيما الجاهلة والبدائية بفعل ابتعادها عن عوامل
التمدن الإنساني والثقافي والمعرفي، أما أن يحدث هذا التطرف بعد مرور أربعين
عاماً على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو صعب التصور لما
تتميز به هذه العقود من احتضانها لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وأبنائهم.
إلا أنّ التاريخ لم يكن ليداري هذه الأفعال الهمجية مهما حاول المتزلفة
للسلطة من تضييع أو تغيير للحقائق التاريخية.
إذن: الذي حدث في مجتمع الكوفة في ولاية زياد بن أبيه أي بعد عام
ص: 125
أربعين للهجرة، أن تلقّى أوامر من سيده معاوية باقتلاع العشائر والبيوتات
التي تحب علي بن أبي طالب عليه السلام وتهجيرها إلى خراسان والشام،
وجلب العشائر المعادية لعلي بن أبي طالب عليه السلام وزجها في المجتمع
الكوفي حتى يتم تغيير هذه التركيبة الاجتماعية وفرض ثقافة العداء لأهل
البيت عليهم السلام في المجتمع، أما هذا التغير في التركيبة العقائدية، لمجتمع
الكوفة فقد تم على مرحلتين:
كان عام 40 ه، أي بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام وهو ما يعرف بعام الجماعة، أي اجتماع الكوفة والشام على حكومة
واحدة، وقد اشتملت هذه المرحلة من التهجير الفكري والعقائدي في الكوفة
على سمات عديدة يمكن لنا استخلاصها من خلال النص التاريخي الآتي:
قال الطبري: (ولم تزل سجاح - التميمية وهي التي ادعت النبوة - في
بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه، وكان معاوية حين أجمع
عليه أهل العراق بعد علي عليه السلام يخرج من الكوفة المستغرب في أمر
علي - عليه السلام - ويُنْزِلُ داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام
وأهل البصرة، وأهل الجزيرة، وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار.
فأخرج من الكوفة قعقاع بن عمرو بن مالك إلى إيلياء بفلسطين فطلب
إليه أن يترل منازل بني أبيه، بني عقفان وينقلهم إلى بني تميم، فنقلهم من
الجزيرة إلى الكوفة وأنزلهم منازل القعقاع وبني أبيه، وجاءت معهم - أي
ص: 126
سجاح التميمية)(1).
دلائل النص:
هذا النص التاريخي الذي انفرد به الطبري ولم ينقله عنه مؤرخ آخر هو
في حد ذاته يشير إلى مجموعة من الأسئلة:
1- ترى لماذا يعرض المؤرخون عن ذكر هذه الحادثة؟.
2- ولماذا لم يتم التعريف بتلك البيوتات التي تم تهجيرها؟
3- وكيف انتهى بها الحال بعد موت معاوية؟
4- وهل بقيت في أماكنها التي هجرت إليها أم هل تعرضت للإبادة
الجماعية تحت غطاء التهجير والنقل إلى بلد آخر؟
5- أم هل أنهم سجنوا؟
6- أم هل أنهم شردوا في البلاد فلا يعرف الأب عن أسرته شيئا، ولا
تعرف النساء والأمهات عن أزواجهن وأبنائهن شيئا؟
أسئلة كثيرة لا نجد إجابات لها!!، ولعلها، أي هذه الأسئلة هي التي
منعت المؤرخين من تتبع هذه الأُسر ومعرفة ما انتهت إليه؟، وقد تكون
الإجابات هي التي منعتهم؟!، لأنها تتحدث عن التطرف، والتهجير،
والعنصرية، والإبادة الجماعية؟!، أو لعلهم أخذوا بنصيحة الشاعر حيث
قال:
ص: 127
لاتکشفنّ مغطّماً *** فلربما کشّفت جیفة
إلا أن ذلك لم یمنعنا من الوقوف هذا النص واستنطاقه، ليفصح لنا
بعدة حقائق عن الآثار السلبية التي أعقبت عملية الإفراغ العقائدي الإسلامي
في مجتمع الكوفة، فكان من ضمنها قتلهم لابن بنت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وسبي ذريته، وتسييرهم في بلاد المسلمين بتلك الصورة من الهوان.
أولا:
لم تكن غاية معاوية إفراغ الكوفة من أتباع أهل البيت عليهم السلام
فقط، وإنما إفراغها من العنصر الإسلامي بشكل أساس وتحويلها إلى حامية
عسكرية تضم مجاميع من العشائر العربية والأعجمية لا تفقه في الحياة إلا
الخضوع والطاعة للمملكة الأموية التي سرعان ما تكشفت أهدافها خلال
السنين التي أعقبت عام الجماعة.
فكانت هذه الغاية السفيانية هي الهدف الأساس الذي سعى إليه معاوية
فابتدأ أولا بنقل سجاح ورهطها إلى الكوفة، - وهم بنو عقفان - وإنزالهم
منازل القعقاع، - وهم المؤيدون لها ؛ وإنها بعد هذا النقل - وبحسب عبارة
الطبري - (أسلمت وحسن إسلامها).
ولا أدري من أين علم الطبري بأنها أسلمت وحسن إسلامها بعد انتقالها
ورهطها ومؤيديها إلى الكوفة ولا أدري كم قضت سجاح وأتباعها من السنين
- مع ادعائها للنبوة - حتى أسلمت وحسن إسلامها؟!
ولا أدري كم أثرت أفكار هذه «المدعية للنبوّة» في أبناء المجتمع الكوفي،
ص: 128
وهم بالطبع يظهرون الطاعة لمعاوية وقد وجدوا أحباب معاوية معهم؟!، ولا
أدري كم من الوقت استمرت هذه الأفكار السجاحية في المجتمع الكوفي؟
ربما عقداً من الزمن أو عقدين لتترجم في عاشوراء كواقع عملي؟!.
إذن:
أول عمل قام به (خليفة المسلمين)!! أن نقل سجاح المدعية للنبوة مع
قومها إلى الكوفة، وأطلق لها الحرية التكفيرية لنشرها في أوساط المجتمع
الإسلامي وأن هذا العمل قد اتسم بأمرين:
ألف: إنزالها وقومها في منازل تمت مصادرتها من القعقاع بن عمرو بن
مالك لموالاته عليا عليه السلام.
باء: نقل القعقاع بن عمرو إلى فلسطين.
ثانيا
أما الميزة الثانية التي يظهرها النص التاريخي، هو أن عملية الإفراغ
العقائدي لم تقتصر على الأفراد الذين يستغرب حالهم في أمر علي عليه
السلام، بمعنى لم يكن النقل لأفراد معدودين أو رموز الولاء لأهل البيت
عليهم السلام، وإنما كانت عملية الإفراغ العقائدي لعشائر بكاملها ونقلها إلى
أماكن بعيدة ومتفرقة.
والسبب في ذلك هو أن التنظيم القبائلي كان يحتم على أفرادها التمايز
ص: 129
في الاعتقادات والمشايعات، فبعض القبائل عرفت بتشيعها لعلي عليه السلام،
وبعضها عرفت بعداوتها له.
وحيث إن الحروب التي خاضها الإمام علي عليه السلام كانت متقاربة
زمنيا، وفي رقعة جغرافية متباينة في الانتماء والتوزيع العشائري، فإن بعض
هذه القبائل كانت تقاتل بأجمعها مع علي عليه السلام سواء كانت نجدية، أو
يمنية، أو حجازية، أو مدنية، أو مكية.
ويمكن لنا تكوين صورة عن هذه القبائل التي كانت تقاتل مع علي عليه
السلام في معركة الجمل وصفين من خلال روايتين أخرج الأولى منها الشيخ
المفيد رحمه الله في كتاب الجمل، وهي تتضمن أسماء العشائر المقاتلة معه في هذه
المعركة فكانت: (قريش، كنانة، أسد، قيس، عيلان، تميم، بكر، عبد
القيس، خزاعة، قضاعة، بجيلة، كندة، همدان، مذحج)(1).
أما الرواية الثانية والتي أخرجها نصر بن مزاحم في كتابه صفين، فكانت
العشائر المقاتلة هي نفسها التي قاتلت في معركة الجمل.
وأضاف إليها العشائر الآتية: (عمرو، وحنضلة، وسعد، والرباب وهم
من تميم، وذهل، واللهازم، وهم من بكر)(2).
وهذا التداخل في الانتماءات العقائدية بين تلك القبائل من الموالين
لعلي عليه السلام وهم السواد الأعظم من أهل تلك القبائل وبين المناوئين له
ص: 130
استلزم أن يكون الإفراغ العقائدي من هذه العشائر بأعداد بشرية كبيرة
ومجاميع عديدة بلغت الآلاف كما سيمر لاحقا.
ثالثا
الميزة الثالثة التي امتازت بها هذه المرحلة من الإفراغ العقائدي، أي في
عام الجماعة هي إدخال مجاميع بشرية معادية لعلي عليه السلام وموالية
لمعاوية في الكوفة، وإنزالها منازل المهجرين من أتباع أهل البيت عليهم
السلام.
وهذا الأمر واضح في النص التاريخي الذي انفرد به الطبري فيقول:
(وكان معاوية يُخرج من الكوفة المستغرب أمر علي - عليه السلام -
وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام، وأهل البصرة، وأهل
الجزيرة، وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار)(1).
وهذا يدل على ما يلي:
1- أن عملية الإفراغ العقائدي تمت عنوة وقهرا وعلى أساس
عقائدي، وفكر تطرفي، تمثل بإخراجهم من منازلهم ونقلهم إلى بلاد أخرى.
2- مصادرة أموالهم غير المنقولة، أي منازلهم وتمليكها لغيرهم، وهذا
الحال يدفع إلى احتمال مصادرة أموالهم المنقولة أيضا.
3- إن عملية التهجير وإفراغ الكوفة عقائديا كانت تتم على الظنة
ص: 131
فكل شخص كان يبدو منه أمر مستغرب يهجر من داره وينقل إلى أماكن
أخرى.
4- إن هؤلاء الذين هجروا قد تم نقلهم إلى خارج العراق، بدليل أن
المدن التي ذكرها الطبري وهي الشام، والبصرة. والجزيرة كانت عثمانية أي
توالي بني سفيان، وتتشيع لعثمان بن عفان، وعملية نقل شيعة علي عليه
السلام إلى هذه المدن معناه تشيعها وهذا ما لا يريد معاوية تحقيقه.
بل كان الهدف هو العكس تماما أي تحويل الكوفة إلى أموية الثقافة
وضمها إلى قائمة تلك المدن الثلاث.
وهذا يستلزم إخراجهم خارج العراق والشام والحجاز وهو ما تم تحقيقه
في مرحلة التهجير الثانية والشاملة في ولاية زياد بن سمية على الكوفة.
ولا يفوتنا أن نقف ملياً لاختيار معاوية بن أبي سفيان فلسطين
لاستيطان شيعة الكوفة، وهذه الولاية المعروفة بعدائها والمتمعنة بنصبها لعلي
وآل علي إلى وقت قريب.
بدأت هذه المرحلة عند قيام معاوية بتولية زياد بن سمية واليا على
الكوفة، فكانت أول المهام المراد منه إنجازها هي إفراغ الكوفة من أتباع أهل
البيت عليهم السلام؛ فكان لمعاوية ما أراد.
فقد قام زياد بن أبيه بعملية تهجير واسعة شملت كل من يظن به الموالاة
لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء أكان عربيا أم أعجميا، أبيض
ص: 132
أم أسود، شريفا أم من الموالي، وهي على الشكل الآتي:
أولا
بدأ زياد بنقل المقاتلة الأعاجم من الكوفة ونقلهم إلى الشام والبصرة،
أي لم ينقلهم إلى بلادهم الأم إيران أو بلاد فارس كما كانت تعرف، مما يدل
على رفع مستوى معاناتهم، بعد أن كانت لهم منازل في الكوفة وألفة مع أهلها.
قال البلاذري:
(إن زيادا سيّر بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم يدعون بها
الفرس، وسيّر قوما منهم إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها)(1).
أما السبب الذي جعل ابن زياد يبدأ بهم، فلأن الإمام علي بن أبي
طالب عليه السلام قد ساوى بينهم وبين المقاتلة العرب في العطاء فاستمالوا
إليه.
وأما سبب توجيههم إلى الشام والبصرة فلكونهما عثمانيتي المعتقد، فلا
يمكنهم التحرك فيهما، بعكس نقلهم إلى بلاد فارس فإنهم سيدعون إلى علي
عليه السلام.
ثانيا
توسيع رقعة الإفراغ العقائدي لتشمل مدينة الكوفة والبصرة، أي إفراغ
ص: 133
المدينتين من الموالين لأهل البيت عليهم السلام.
قال البلاذري: (إن زيادا نقل (خمسين ألفا) من مقاتلة أهل البصرة
والكوفة مع عيالاتهم إلى خراسان)(1)، ولم تحدد الرواية كم كان عدد الكوفيين
من الخمسين ألفا.
إلا أن المدائني أشار إلى: (أن نصفهم كان من أهل الكوفة)، وأيا كانت
نسبتهم فإن إخراجهم من الكوفة والبصرة مع عيالاتهم وتهجيرهم إلى تلك
البلاد البعيدة خارج العراق هو غاية الاضطهاد العقائدي والتطرف الفكري.
فكانت آثار هذا الإفراغ الفكري على ثقافة مجتمع الكوفة، ولاسيما
المقاتلة منهم وهم السواد الأعظم من أهل الكوفة - وهم الذين خرجوا
لقتال الحسين عليه السلام، - آثاراً وخيمة ترجمتها أرض كربلاء في يوم
عاشوراء.
إن خير صورة تجسد الإرهاب الفكري في القرن الأول للهجرة النبوية
هو حديث الإمام الباقر عليه السلام الذي يصف فيها حال الأمة وأمنها الذي
تدخل في أحاسيس الإنسان ومشاعره فيعاقب أشد العقوبات على هذه
المشاعر فيسجن وينهب ماله ويهدم داره وغير ذلك ما العقوبات التي شهدتها هذه الأمة بعد وفاة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
ص: 134
قال عليه السلام وقد سأله أحد المسلمين عن حاله وحال الأمة فقال
عليه السلام:
«یا فلان ما لقینا من ظلم قریش إیانا و تظاهرهم علینا، و ما لقی شیعتنا و محبونا من الناس، إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قبض وقد أخبر أنا أولي الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت علي الأنصار بحقنا وحجتنا، تداولتها قريش واحداً بعد واحد حتي رجعت إلينا فنكثت بیعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتي قتل.
فبويع الحسن ابنه وعوهد، ثم غدر به، وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتي طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته، وهم قليل حتي قلیل، ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم فقتلوه.
ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام، ونقصي ونمتهن، ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن علي دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلي أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء فی کل بلدة، فحدثوهم بالأحادیث الموضوعة المکذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله لیبغضونا إلی الناس، وکان عظم ذلک کبره زمن معاویة، بعد
ص: 135
موت الحسن علیه السلام فقتلت شیعتنا بکل بلدة، وقطعت الأیدی والأرجل علی الظنة، وکان من ذکر بحبنا والانقطاع إلینا سجن أو نهِب ماله، أو هدمت داره.
ثم لم یزل البلاء یشتد ویزداد إلی زمان عبید الله بن زیاد قاتل الحسین علیه السلام ثم جاء الحجاج فقتلهم کل قتلة، وأخذهم بکل ظنة وتهمة، حتی أن الرجل لیقال له زندیق أو کافر أحب إلیه من أن یقال شیعة علی، وحتی صار الرجل الذی یذکر بالخیر ولعله یکون ورِعا صدوقا یحدث بأحادیث عظیمة عجیبة، من تفضیل بعض من قد سلف من الولاة، ولم یخلق الله تعالی شیئاً منها ولا کانت ولا وقعت وهو یحسب أنها حق لکثرة من قد رواها ممن لم یعرف بکذب ولا بقلة ورع»(1).
وهذه الحالة العامة التي بينها الإمام الباقر عليه السلام كشفها التاريخ
ضمن مجموعة من الشواهد، وهي كالآتي:
يعد بيان الإمام الباقر عليه السلام للحالة العامة التي مرّ بها أهل البيت
عليهم السلام وشيعتهم خلال القرن الأول للهجرة من أهم الدلائل على أثر
إرهاب الثقافة الأموية كما أن التاريخ قد أظهر بعض التفاصيل عن إرهاب
الثقافة التي مارسها معاوية بن أبي سفيان على المسلمين.
فقد روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب
ص: 136
الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن
برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته(1).
فقالت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا - والعياذ بالله
- ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل
الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي(2).
ومن الأنماط الأخرى لإرهاب الثقافة الذي مارسه معاوية على شيعة
أهل البيت عليهم السلام هو إصداره كتاباً إلى ولاته على المدن الإسلامية
بأن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته الشهادة(3).
ولم يكتف معاوية بمنع شهادة شيعة أهل البيت عليهم السلام، وفرض
حصار اجتماعي عليهم في الأقطار كافة، وإنما عمد إلى سياسة أخرى ونمط
جديد من أنماط إرهاب الثقافة، فقام بتعميم كتاب إلى الولاة يقول فيه: «أن
انظروا من قبلكم من شيعة عثمان وصحبته وأهل بيته، والذين يروون
ص: 137
فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما
يروي رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم
معاوية من الصلات والكساء والجبات والقطائع، وتنافسوا في المنازل والدنيا،
فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان
فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا»(1).
وحينما كثر الحديث في جميع المدن الإسلامية، وانتشرت بينهم ثقافة
التزوير والتحريف، وشاع استخدامها، وطمع في تحصيلها أصحاب المصالح
والنفوس المريضة، عمد معاوية إلى نمط آخر من الإرهاب الفكري، فقام
بترويج هذه الصنعة الجديدة في أوساط الرواة إلى تغيير الوجهة من الإكثار في
فضائل عثمان إلى الإكثار في فضائل الصحابة والشيخين مع اعتماد نمط جديد
في إرهاب الثقافة يعتمد على وضع أحاديث مشابهة للأحاديث التي تتحدث
عن فضائل أهل البيت عليهم السلام؛ كي يختلط على الناس الأمر، ومن ثم
فقدان الخصوصية في تميّز أهل البيت عليهم السلام عن بقية الصحابة.
فكتب إلى الولاة: «إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مِصْر،
وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في
فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا يتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في
ص: 138
أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقرّ لعيني،
وأدحض لحجة أبي تراب ولشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله»(1).
فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس
في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشاروا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى
معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى
رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، حتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم،
فلبثوا بذلك ما شاء الله(2).
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: « انظروا من قامت
عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه
ورزقه»(3).
ولم يكتف معاوية بكل هذه الأنماط من إرهاب الثقافة فقام بإصدار
كتاب آخر وبعث به إلى جميع الولاة على المدن الإسلامية، جاء فيه:
(من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، واهدموا داره)(4).
ص: 139
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولاسيما الكوفة، حتى أن
الرجل من شيعة علي ليأتيه ممّن يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف
من خادمه ومملوكه ولا يحدث حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه(1)
حتى قيل في ذلك:
إن الیهود بحبهم لنبیهم أمنوا *** بوائق حادث الأزمان
وذوی الصلیب بحبهم لصلیبهم *** یمشون زهوا فی قری نجران
والمؤمنون بحب آل محمد *** یرمون بالآفاق بالنیران(2)
يرى علماء الإناسة، وبالأخص الإتنوغرافيون في مثل هذه الحالات من
التثاقف: (أن تسود هذه العلاقة الاحتكاكية من التثاقف صفة السيادة
والتحكم والسيطرة بالثقافة الخاصة للشعب الأقل تطورا من قبل الثقافة
الأكثر تطورا)(3).
بمعنى: (أن ما يحدث في عملية التثاقف بين شعبين هو تأثر الشعب
الأقل تطورا بثقافة الشعب الأكثر تطورا)(4).
ص: 140
وفي الواقع لا يمكن معرفة أي الثقافتين الأكثر تطورا والأقل تطورا ما لم
يتم دراسة آثار كل من هاتين الثقافتين على الشعبين.
والتاريخ يتحدث عن تأثر ثقافة بغض علي بن أبي طالب عليه السلام
بثقافة حب علي بن أبي طالب عليه السلام، فمع كل ما عمله معاوية من
إرهاب الثقافة وإرهاب الإنسان في ماله وولده ونفسه إلا أن ثقافة حب علي
ابن أبي طالب عليه السلام هي التي فرضت نفسها على الثقافات الأخرى،
لدرجة احتار فيها من عرف بميوله وتوجهاته الثقافية المغايرة، فوقف عاجزاً
لما يرى.
قال الشعبي: ما لقينا من علي بن أبي طالب، إن أحببناه قتلنا وإن
أبغضناه هلكنا(1).
وكان الحسن البصري يروي أحاديثه عن علي عليه السلام مرسلة
خوفا من بني أمية(2).
وقال أحمد الحفظي في أرجوزته:
والحسن البصری یروی عن علی *** علومه وللسماع یجتلی
لکنه لو قال هذا قتلا *** فکان یروی للحدیث مرسلا
قال الإمام أحمد بن حنبل *** لسائل عن فضل مولانا علی
ماذا أقول بعد کتمان العدا *** للنصف من فضل الولی حسدا
ص: 141
ونصف خوفا من القتل وذا *** حقیقة یعرفها من احتذا
وأظهر الله من الکتمین *** ما ملأ البرین والبحرین(1)
وكفي بالتاريخ حكما سابقا وحاضرا في بيان أي الثقافتين تأثرت
بالأخرى، وأيهما تنامت وتضاعفت، ثقافة حب علي بن أبي طالب عليه
السلام أم بغضه؟
ويستدل علماء الإناسة على حقيقة انتصار الثقافة الأصيلة على الثقافة
الوضيعة ما شهده العالم العربي في أثناء تولي الأتراك العثمانيين للحكم (فقد
حاولت الدولة العثمانية الغازية والمحتلة عثمنة الشعب العربي عن طريق
جعل اللغة العثمانية - التركية - هي اللغة الرسميّة، ومجالات الحياة كافة. لكن
الشيء الذي حدث هو العكس تماما، حيث تأثرت اللغة التركية ذاتها باللغة
العربية وبالثقافة العربية نتيجة عملية الاحتكاك الثقافي بين العرب الأكثر
تطورا في مجال الثقافة وبين الأتراك العثمانيين الأقل ثقافة، فقد استعارت اللغة
العثمانية معظم مفرداتها اللغوية من اللغة العربية لدرجة أن عملية التثاقف هنا
كادت تؤدي باللغة التركية إلى الهلاك فيما لو بقيت الحالة في الدولة التركية
الجديدة بعد مصطفى أتاتورك، كما كانت عليه في السابق تكتب بالحروف
العربية، ويعود سبب التأثر الثقافي التركي بالثقافة العربية إلى القرآن الكريم
ومبادئ الدين الإسلامي الذي يدين به كل من العرب والأتراك)(2)
ص: 142
ولأن منبع الثقافة الإسلامية الأصيلة هو القرآن الكريم والنبي الأعظم
صلى الله عليه وآله وسلم لم يتمكن معاوية من سَفْيَنةِ المسلمين، أي جعلهم
سفيانيين ومن ثم محو ثقافة حب علي بن أبي طالب عليه السلام.
ومن ثم أصبح المجتمع الإسلامي، بل أصبح الإسلام بحاجة حقيقية
وماسة إلى الأمن في جميع المستويات، الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية،
والفكرية؛ ولا يتحقق هذا الأمن في تلك المستويات إلا عند تحقيقه أولاً في
المجال الفكري، وهو ما حرص عليه الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام منذ أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحتى استشهاده
مخضباً بدمه في محراب مسجد الكوفة.
وهذا هو مصب دراستنا للأمن الفكري الذي جاء به القرآن والعترة
النبوية عليهم السلام وسعى من أجله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما
السلام، وهو ما سنعرض له في الفصل القادم.
ص: 143
ص: 144
ص: 145
ص: 146
السلف ومكونهم الفكري خلال حياته
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم تساؤلٌ حول السبب الذي دفعنا
لاختيار شخصية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في معرفة
المكون الفكري لحياة السلف ومشروع بعض رموز الصحابة الفكري دون غيره
كأبي بكر وعمر وعثمان؟
والجواب: أولاً لكونهم تصدوا لإدارة أمور المسلمين وشؤونهم من
خلال الجلوس على كرسي الخلافة؛ ومن ثم فقد اتخذوا إجراءات عديدة في
خلق واقع جديد كما مر بيانه خلال الفصل الأول.
ثانياً: إننا لم نعثر على قراءة منطقية وصادقة وتشخيصية لهؤلاء الرموز
من الصحابة تظهر تقييمهم للمجتمع المسلم من جهة، ومن جهة أخرى منذ
أن بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشكيل اللبنات الأولى لهذا الصرح
ص: 147
العظيم إلى تطور مشروع الأمة ونظام الدولة والقيادة في الحقبة المدنية وانتهاءً
بظهور الإسلام على ما جاوره من أمم عرفت بحضاراتها وشأنيتها وهيمنتها
على الجزيرة العربية هيمنة عسكرية وعقدية كانت الوثنية وجذورها السمة
الأبرز فيها لما توافد على مكة وما حولها من اعتقادات كانت الميثولوجيا
العالمية فيها متغلغلة حتى باتت مكة محطة لتلقي تلك الميثولوجيا وما نتج عنها من تفاعلات نفسية وتصورات ذهنية فاقت بعددها ما كان لدى بلاد النهرين
وأرض كنانة(1)، ومن ثم فنحن بحاجة إلى قراءة لهذا الواقع النفسي والعقدي
والاجتماعي وهو ما ظهر عند أمير المؤمنين عليه السلام.
ثالثاً: لم يتعرض أحد من الصحابة لما تعرض له أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام في الأمة من متغيرات فكرية كونت معها معتقدات
دينية وصل بعضها إلى إعلان الحرب عليه جهاراً لينتهي الأمر بتكفيره وقتله
من خوارج الأمة، ومن ثم اختتام حياته الطاهرة مخضباً بدمه في محراب بيت
الله في أثناء الصلاة في مسجد الكوفة.
رابعاً: قد دلت النصوص التاريخية والحديثية على اختصاصه بحياة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن قدر الله تعالى له أن يولد في بيت
الله الحرام داخل الكعبة المشرفة(2)، وتولي رسول الله صلى الله عليه وآله
ص: 148
وسلم لرعايته وتربيته منذ ولادته إلى أن توفي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يصرح بهذه الشأنية النبوية
والخصوصية الرسالية التي خصها به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فكان يفاخر ويجاهر بذلك أمام الصحابة والناس مذكراً إياهم بما اصطفاه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين الصحابة، فيقول عليه السلام:
«لقد علمتم موضعی من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالقرابه القریبه و المنزله الخصیصه، وضعنی فی حجره و أنا ولید، یضمنی إلی صدره، و یلقنی فی فراشه، و یمسنی جسده، و یشمنی عرقه، وکان یمضخ الشیء ثم یلقمنیه، وما وجد لی کذبة فی قول، ولا خطلة فی فعل، ولقد قرن الله به صلی الله علیه و آله وسلم من لدن کان فطیما أعظم ملکاً من ملائکة یسلك به طریق المکارم، ومحاسن أخلاق، العالم لیله ونهاره، و لقد کنت أتبعه اتباع الفصیل إثر امه، یرفع لی فی کل یوم علماً من أخلاقه، و یأمرنی بالاقتداء به...»(1).
وقال في خطبة القاصعة:
«ولم يجمع بيت في الإسلام غير رسول اللّه وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشم روح النبوة ولقد سمعت رنة
ص: 149
الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: هذا رنة الشيطان قد آيس من عبادته، انك تسمع ما أسمع، وترى کما أرى إلا أنّك لست بنبى، وإنك لوزير وإنك لعلى خير»(1).
وقال علي عليه الصلاة والسلام:
«ولَقَد علِمَ المُستَحفَظونَ مِن أصْحابِ محَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم إنِّی لَمْ أرُدَّ عَلَی اللّهِ سُبْحانَهُ ولاعَلی رَسُولِهِ ساعَهً قَطُّ، ولَقَدْ واسَیْتُهُ بِنَفْسِی فیِ المَواطِنِ الَّتی تَنْکِصُ فیها الأبْطالُ، وتَتَأَخَّرُ فِیهَا الأقْدامُ نَجْدَهً أکْرَمَنِی اللّهُ بِها.
وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله و سلم وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ صلى الله عليه و آله و سلم وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والْأَفْنِیَهُ، مَلأٌ یُهْبِطُ، وَمَلأٌ یَعْرُجُ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِی هَیْنَمَهٌ مِنْهُمْ، یُصَلُّونَ عَلَیْهِ حَتَّی وَارَیْنَاهُ فِی ضَرِیحِهِ، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّی حَیّاً وَمَیِّتاً، فَانْفُذُوا عَلَی بَصَائِرِکُمْ، وَلْتَصْدُقْ نِیَّاتُکُمْ فِی جِهَادِ عَدُوِّکُمْ، فَوَالَّذِی لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّی لَعَلَی جَادَّهِ الْحَقِّ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَی مَزَلَّهِ الْبَاطِلِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِی وَلَکُمْ»(2).
ص: 150
وعليه:
فهذه الملازمة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وما كان له من العلاقة مع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس، وما شهده من
تحولات في الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وغيرها من
العوامل التي شكلت بمجموعها منظومة معرفية عن حال الأمة وعوامل
ترديها وعوامل تقدمها، فكانت قراءته صلوات الله وسلامه عليه لكل ذلك قد مكنته من تقديم مشروعه التعريفي بالدين الذي اختاره الله تعالى لرسوله
المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي به يتحقق الأمن الفكري.
في المقابل تناولت هذه القراءة مشروع بعض الصحابة المغاير لتلك
الثوابت كما مرّ بيانه في الفصل السابق فكانت رسالته إلى المسلمين عامة وإلى
شيعته خاصة؛ والتي كتبها لهم بعد مقتل محمد بن أبي بكر وقد جزع عليه
جزعا شديداً فدخل عليه بعض أصحابه وسألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر
وعثمان، فكان جوابه لهم في هذه الرسالة قد تضمن أدق التفاصيل عن تفرق
الأمة ورموز هذا التفرق وما اعتمده أولئك من مفردات شكلت بنيةً فكرية
عن الدين احتاجت إلى وضع السبل لتحقيق الأمن الفكري، وذلك أن
المكون السلوكي الباعث لاتجاه خاصة شيعته في سؤالهم وبعد كل ما شهدوه
من براهين وحجج تغني البعيد في معرفة دين علي بن أبي طالب عليه السلام
ودوره في نجاة الأمة فكيف بالقريب منه أن يرتاب فيسأله عن رأيه في أبي بكر
ص: 151
وعمر!!
وعليه:
فقد وضع الإمام علي عليه السلام بعد استماعه لهذا السؤال أصول
الأمن الفكري الذي يحقق سلامة الفكر من الانحراف والانحدار في الهاوية،
فكانت رسالته التي أخرجها إليهم وإلى عامة المسلمين لهذا الغرض أي:
لتحقيق الأمن الفكري؛ ولكي نقف عند هذه الأصول سنقوم بإيراد الحادثة
وما ورد من سؤال وجواب ثم نقوم بدراسة ما ورد فيها من أصول الأمن
الفكري ووسائل تطبيقه مع مقارنة هذه الوسائل مع ما قام به أبو بكر وعمر
فضلاً عن بيان نتائج مخالفة هذه الأصول على الأمة في الماضي والحاضر.
فی أبي بكر وعمر؟
رويت هذه الحادثة في مصادر الفريقين باختلافات يسيرة قد يعود سببها
إلى أن النسخة التي كانت عند عبد الله بن سبأ هي نسخة محرفة كما أشار إلى
ذلك البلاذري( 1)، وإن بعض المصادر قد اعتمد هذه النسخة التي كانت عند
عبد الله بن سبأ، أما الحفاظ الذين رووا هذه الرسالة، فمنهم:
1- ابن قتيبة (المتوفى سنة 276 ه) في الإمامة والسياسة(1)
2- البلاذري (المتوفى سنة 279 ه) في أنساب الأشراف(2).
ص: 152
3- الثقفي (المتوفى سنة 283 ه) في الغارات(1).
4- الشيخ الكليني (المتوفى سنة 328 ه) في الرسائل(2).
5- الطبري الإمامي (المتوفى في القرن الرابع للهجرة) في المسترشد(3).
6- ابن أبي الحديد المعتزلي (المتوفى سنة 656 ه) في شرحه على
النهج(4).
7- العلامة المجلسي (المتوفى سنة 1111 ه) في البحار(5).
وغيرهم؛ فقد ذكرها بعض المصنفين باختصار واستشهد بعضهم بفقرات
منها بحسب محل احتياجهم إليها؛ ونحن نوردها بحسب رواية الثقفي والشيخ
الكليني رحمه الله تحرزاً من إيراد ما اعتمده بعض الرواة لنسخة ابن سبأ، أما
هذه الرسالة وما سبقها من حدث فهي كالآتي:
الطريق الأول: أخرجه الثقفي (إبراهيم بن محمد الكوفي، المتوفى سنة
282 ه)، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه(6).
ص: 153
والطريق الثاني: أخرجه الشيخ الكليني رحمه الله (محمد بن يعقوب،
المتوفى سنة 328 ه)، عن علي بن إبراهيم بإسناده؛ ورواه عنه العلامة ابن
طاووس (المتوفى سنة 664 ه)(1)؛ وعنه العلامة المجلسي.
قال الثقفي:
(دخل عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، وحبة العرني، والحارث
الأعور، وعبد الله بن سبأ، على أمير المؤمنين علي عليه السلام، بعدما افتتح
مصر، وهو مغموم حزين، فقالوا له:
بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟
فقال لهم عليٌّ عليه السلام:
«وهل فرغتم لهذا؟ وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت؟! أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم، وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم، فاقرؤوه علی شیعتی وکونوا علی الحق أعوانا».
قال الثقفي: وهذه نسخة الكتاب:
«من عبدالله علی أمیر المؤمنین إلی من قرأ کتابی هذا من المؤمنین والمسلمین السلام علیکم، فإنی أحمد إلیکم الله الذی لا إله إلا هو.
أما بعد فإن الله بعث محمدا صلی الله علیه و آله وسلم نذیرا
ص: 154
للعالمين، وأمين على التنزيل، وشهيدا على هذه الامة، وأنتم يا معشر العرب یومئذ على شر دين وفي شر دار، منیخون علی حجارة خشن وحیات(1) صم، وشوك مبثوث فی البلاد، تشربون الماء الخبیث، وتأکلون الطعام الجشیب(2)، وتسفکون دماءکم، وتقتلون أولادکم، وتقطعون أرحامکم، وتأکلون أموالکم (بینکم) بالباطل، سبلکم خائفة، والأصنام فیکم منصوبة، (والآثام بکم معصوبة(3)).
«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ»(4).
فمنّ الله علیکم بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم فبعثه إلیکم رسولا من أنفسکم، وقال فیما أنزل من کتابه:
«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(5).
وقال:
«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
ص: 155
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(1).
وقال:
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ...»(2).
وقال
«ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(3).
فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته(4)، فعلمكم الكتاب والحكمة(5)، والفرائض والسنة، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم،
ص: 156
وصلاح ذات البين، و((أنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أهْلِهَا))(1)، وأن توفوا بالعهد، ((وَلَاتَنْقُضُوا الْأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا))(2)، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغی، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم إليكم فيما أنزل عليكم: ألا تزنوا، ولا تربوا، ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما(3)، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، ولا تعثوا في الأرض مفسدين(4)، ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين(5)، وكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به،
ص: 157
وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار نهاكم عنه(1).
فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه اللَّه إليه سعيدا حميدا؛ فيا لها مصيبة خصت الأقربين وعمت جميع المسلمين؛ ما أصيبوا بمثلها قبلها، ولن يعاينوا بعد أختها(2).
فلما مضى لسبيله صلى الله عليه و آله تنازع المسلمون الأمر بعده(3)، فو اللَّه ما كان يلقى في روعي(4)، ولا يخطر على بالي أن
ص: 158
العرب تعدل(1) هذا الأمر بعد محمد صلى الله عليه و آله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه(2) عني من بعده، فما راعني(3) إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم(4) إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسلم في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبث بذاك ما شاء اللَّه حتى رأيت راجعة من الناس(5) رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين اللَّه وملة محمد صلى الله عليه و آله وإبراهيم عليه
ص: 159
السلام، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدماً يكون مصيبته(1) أعظم علي من فوات ولاية أموركم(2) التی إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع(3) السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ(4) الباطل وزهق وكانت، ((كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا))(5)، ((وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))(6).
فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر وشدد(7) وقارب واقتصد، فصحبته منا صحا وأطعته فيما أطاع اللَّه [فيه] جاهدا، وما طمعت أن لو حدث به حدث(8) وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه(9) لا يدفعها عني، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولى
ص: 160
عمر الأمر، وكان مرضي السيرة(1)، ميمون النقيبة(2)، حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أحاج أبا بكر(3)، وأقول: يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين دين(4) الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من(5).
قبلي، ثم قالوا: هلم فبايع وإلا جاهدناك، فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا، فقال قائلهم(6): يا ابن أبي طالب إنك على هذا
ص: 161
الأمر لحريص فقلت: أنتم أحرص منى و أبعد، أأنا أحرص إذا(1) طلبت تراثى و حقى الذى جعلنى اللّه و رسوله أولى به؟ أم أنتم إذ تضربون وجهى دونه؟ و تحولون بينى و بينه؟! فبهتوا(2).
«لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(3).
اللهم إنى أستعدیك على قريش(4)، فإنهم قطعوا رحمى،
ص: 162
و أصغوا(1) إنائى، و صغروا منزلتى، و أجمعوا على منازعتى حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن فى الحق أن تأخذه و فى الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا(2) متوخما(3) أو مت متأسفا حنقا(4) فنظرت(5) فإذا ليس معى(6) رافد ولا ذاب ولا
ص: 163
مساعد إلا أهل بيتى فضننت بهم عن الهلاك(1) فأغضيت على القذى، و تجرعت(2) ريقى على الشجى، و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، و آلم للقلب من حز الشفار.
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتمونى لتبايعونى، فأبيت عليكم و أمسكت يدي فنازعتمونى و دافعتمونى، و بسطتم يدي فكففتها، و مددتم یدی فقبضتها، و ازدحمتم على حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلى، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نفترق(3) و لا تختلف کلمتنا، فبايعتكم و دعوت الناس إلى بيعتى، فمن بايع طائعا قبلته منه، و من أبى لم أكرهه(4) و تركته، فبايعنى فيمن بايعنى طلحة و الزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما، فما لبثنا(5) إلا يسيرا حتى بلغنى أن خرجا(6) من مكة متوجهين إلى البصرة فی
ص: 164
جیش(1) ما منهم رجل إلا بایعنی و أعطانی الطاعه، فقدما علی عاملی و خزان بیت مالی و علی أهل مصر کلهم علی بیعتی و فی طاعتی فشتتوا کلمتهم و أفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا علی شیعتی من المسلمین فقتلوا طائفه منهم غدرا، و طائفه صبرا، و طائفه عصبوا بأسیافهم فضاربوا بها(2) حتی لقوا اللّه صادقین، فو اللّه
ص: 165
لو لم یصیبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدین لقتله(1) [بلا جرم جره(2)] لحل لی به قتل ذلك الجیش کله(3) فدع ما إنهم قد قتلوا من المسلمین أکثر من العده التی دخلوا بها علیهم و قد أدال اللّه منهم(4)، ((فَبُعْداً لِلْقَوْمِ اَلظّالِمِینَ))(5).
ثمّ إنی نظرت فی أهل الشام(6) فإذا أعراب أحزاب، و أهل طمع جفاه طغام(7)، یجتمعون من کل أوب(8)، و من کان ینبغی أن یؤدب
ص: 166
ویدرب أو یولی علیه(1) و یؤخذ علی یدیه(2)، لیسو من المهاجرین و لا الأنصار، و لا التابعین بإحسان، فسرت إلیهم فدعوتهم إلی الطاعه و الجماعه، فأبوا إلا شقاقا و نفاقا(3) و نهوضا(4) فی وجوه المسلمین ینضحونهم بالنبل(5)، و یشجرونهم بالرماح(6)، فهناک نهدت إلیهم بالمسلمین(7) فقاتلتهم فلما عظهم(8) السلاح و وجدوا
ص: 167
ألم الجراح رفعوا المصاحف یدعونکم إلی ما فیها، فأنبأتکم أنهم لیسوا بأصحاب دین و لا قرآن، و أنهم رفعوها غدرا و مکیدة(1) و خدیعة و وهنا و ضعفا، فامضوا علی حقکم و قتالکم، فأبیتم علی و قلتم: أقبل منهم، فإن أجابوا إلی ما فی الکتاب جامعونا علی ما نحن علیه من الحق، و إن أبوا کان أعظم لحجتنا علیهم، فقبلت منکم(2)، و کففت عنهم إذ أبیتم و ونیتم(3)، و کان الصلح بینکم علی رجلین یحییان ما أحیا القرآن، و یمیتان ما أمات القرآن، فاختلف رأیهما و تفرق حکمهما و نبذا ما فی القرآن و خالفا ما فی الکتاب فجنبهما اللّه السداد و دلاهما فی الضلال(4) فنبذا حکمهما و کانا أهله(5).
ص: 168
فانخزلت(1) فرقه منا فترکناهم ما ترکونا حتی إذا عثوا فی الأرض یقتلون و یفسدون أتیناهم فقلنا: ادفعوا إلینا قتله إخواننا ثم کتاب اللّه بیننا و بینکم، قالوا: کلنا قتلهم، و کلنا استحل دماءهم و دماءکم، و شدت علینا خیلهم و رجالهم، فصرعهم اللّه مصرع الظالمین(2).
فلما کان ذلک من شأنهم أمرتکم أن تمضوا(3) من فورکم ذلک إلی عدوکم فقلتم: کلت سیوفنا، و نفدت نبالنا(4) و نصلت(5) أسنه
ص: 169
رماحنا، و عاد أکثرها قصدا(1) فارجع بنا إلی مصرنا لنستعد(2) بأحسن عدتنا، و إذا رجعت زدت فی مقاتلتنا عدة من هلك منا و فارقنا، فإن ذلك أقوی لنا علی عدونا فأقبلت بکم حتی إذا أطللتم(3) علی الکوفه أمرتکم أن تنزلوا بالنخیله، و أن تلزموا معسکرکم، و أن تضموا قواضبکم(4)، و أن توطنوا علی الجهاد أنفسکم، و لا تکثروا زیاره أبنائکم و نسائکم، فإن أصحاب الحرب المصابروها، و أهل التشمیر فیها الذین لا ینوحون(5) من سهر لیلهم و لا ظمأ نهارهم و لا خمص بطونهم و لا نصب أبدانهم، فنزلت طائفه منکم معی معذره(6)، و دخلت طائفه منکم المصر
ص: 170
عاصیه، فلا من بقی منکم ثبت و صبر، و لا من دخل المصر عاد إلی و رجع، فنظرت إلی معسکری و لیس فیه خمسون رجلا، فلما رأیت ما أتیتم دخلت إلیکم فما قدرت علی أن تخرجوا معی إلی یومنا هذا.
فما تنتظرون؟ أما ترون [إلی] أطرافکم قد انتقصت، و إلی أمصارکم(1) قد افتتحت، و إلی شیعتی بها بعد قد قتلت، و إلی
ص: 171
مسالحکم تعری(1)، وإلی بلادکم تغزی، أنتم ذوو عدد کثیر، و شوکه و بأس شدید(2)، فما بالکم؟ للّه أنتم! من أین تؤتون؟ و ما لکم [أنی] تؤفکون؟! و أنی تسحرون؟! و لو أنکم عزمتم و أجمعتم لم تراموا، ألا إن القوم قد اجتمعوا(3) و تناشبوا(4) و تناصحوا و أنتم قد ونیتم و تغاششتم و افترقتم، ما أنتم إن أتممتم عندی علی ذی سعداء(5) فأنبهوا نائمکم و اجتمعوا(6) علی حقکم، و تجردوا لحرب
ص: 172
عدوکم، قد بدت(1) الرغوه عن الصریح(2) و قد بین الصبح لذی عینین(3) إنما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء، و أولی الجفاء و من أسلم کرها، و کان(4) لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنف(5) الإسلام کله حربا، أعداء اللّه و السنه و القرآن و أهل البدع و الأحداث، و من کانت بوائقه تتقی، و کان علی الإسلام و أهله مخوفا(6)، و أکله الرشا و عبده الدنیا، لقد(7) أنهی إلی أن ابن النابغه لم یبایع حتی أعطاه [ثمنا(8)] و شرط أن یؤتیه أتیة هی أعظم مما فی یده من سلطانه، ألا صفرت ید هذا البائع دینه بالدنیا، فیکم الخمر و جلد الحد فی الإسلام، یعرف بالفساد فی
ص: 173
الدین و الفعل السیئ، و إن فیهم لمن لم یسلم حتی رضخ له علی الإسلام رضیخه(1). فهؤلاء قاده القوم، و من ترکت ذکر مساویه من قادتهم مثل من ذکرت منهم بل هو شر منهم، و هؤلاء الذین [ذکرت] لو ولوا علیکم لأظهروا(2) فیکم الفساد و الکبر و الفجور(3) و التسلط بالجبریه
ص: 174
و الفساد فی الأرض، و اتبعوا الهوی و حکموا بغیر الحق، و لأنتم علی ما کان فیکم من تواکل و تخاذل خیر منهم و أهدی سبیلا، فیکم العلماء و الفقهاء و النجباء و الحکماء، و حمله الکتاب، و المتهجدون بالأسحار، و عمار المساجد بتلاوه القرآن أفلا تسخطون و تهتمون أن ینازعکم الولایه علیکم سفهاؤکم، و الأشرار الأراذل منکم. فاسمعوا قولی - هداکم اللّه - إذا قلت، و أطیعوا أمری إذا أمرت، فو اللّه لئن أطعتمونی لا تغوون، و ان عصیتمونی، لا ترشدون، خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها، و أجمعوا الیها فقد شبت و أوقدت نارها(1) و علا شنارها(2) و تجرد لکم فیها الفاسقون کی یعذبوا عباد اللّه، و یطفئوا نور اللّه.
ألا إنه لیس أولیاء الشیطان من أهل الطمع و الجفاء و الکبر(3) بأولی بالجد فی غیهم و ضلالهم و باطلهم من أولیاء اللّه، من أهل البر و الزهاده و الإخبات فی حقهم و طاعة ربهم و مناصحه إمامهم، إنی و اللّه لو لقیتهم فردا(4) و هم ملء الأرض(5) ما بالیت ولا
ص: 175
استوحشت(1)، وإنی من ضلالتهم التی هم فیها و الهدی الذی نحن علیه لعلی ثقه و بینه و یقین و صبر، وإنی إلی لقاء ربی لمشتاق و لحسن ثواب ربی(2) لمنتظر، و لکن أسفا یعترینی(3)، وحزنا یخامرنی(4) من أن یلی أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فیتخذوا مال اللّه دولا(5) و عباد اللّه خولا(6) [والصالحین حربا(7)] والفاسقین حزبا، و أیم اللّه لولا ذلك(8) ما أکثرت تأنیبکم و تألیبکم(9)
ص: 176
وتحریضکم، ولترکتکم إذ ونیتم(1)، وأبیتم حتی ألقاهم بنفسی متی حم(2) لی لقاؤهم، فو اللّه إنی لعلی الحق، و إنی للشهاده لمحب.
«اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِکُمْ وَ أَنْفُسِکُمْ فِی سَبِیلِ اَللّهِ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(3).
ولا تثاقلوا(4) إلی الأرض فتقروا بالخسف(5) وتبوءوا(6) بالذل ویکن
ص: 177
نصیبکم الأخسر(1)، إن أخا الحرب الیقظان الأرق(2)، ومن نام لم ینم عنه(3)، ومن ضعف أودی(4)، ومن ترک الجهاد [فی اللّه] کان کالمغبون المهین».
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى، وزهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل
الآخرة خيرا لنا ولهم من الأولى، والسلام(5)»(6).
ص: 178
والخطبة توضح ما جرى في الأمة منذ البعثة النبوية وإلى وقت كتابته
عليه السلام لهذه الرسالة أي قبل استشهاده بشهور قليلة ومن ثم فقد قدمت
هذه الخطبة عوامل التجديد في البنية الفكرية للمسلم وأسهمت في بناء
منظومة معرفية عن الدين والعقيدة يستطيع المسلم من خلالها أن يحدد مسيرته
في الحياة الدنيا وما يقبل به على الله في الآخرة.
بكر وعمر عن معطيات فكرية جديدة؟
لا شك أن هناك مجموعة من الدوافع والأسباب اجتمعت خلف تحرك
هؤلاء الأصحاب الذين عرفوا بولائهم وتشيعهم لأمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام، فانبروا للسؤال عن رأي إمامهم في أبي بكر وعمر خاصة
دون عثمان ومعاوية.
وذلك:
أنهم يدركون أنّ علياً يقاتل أركان طائفة تحزّبت وتشيّعت لبني أمية ومن
ثم فهم على يقين في معرفة رأي علي بن أبي طالب عليه السلام في بني أمية
ولم يراودهم الشك في موقفه عليه السلام منهم..
ومن ثم ما هو الدافع من وراء سؤالهم عن رأيه عليه السلام في أبي بكر
وعمر؟
ص: 179
والجواب من عدة أوجه، منها:
أولاً: إنهم يدركون أن الشيخين وما جرى منهما في سقيفة بني ساعدة
وانتزاع حق علي في الخلافة على الرغم من مبايعتهما له عليه السلام وعامة
من حضر حجة الوداع أو حجة البيعة في غدير خم ليستلزم أن يكون موقف
علي فيهما كما هو موقفه في معاوية.
وذلك: أن المشتركات في اغتصاب حقه عليه السلام في الخلافة قد
تساوت بين الشيخين وبني أمية فكل منهما قد جلس مجلساً لم ينزّل الله به من سلطان ومن ثم يستلزم ذلك أن يكون موقفه عليه السلام من الطرفين
واحداً.
إلا أن أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام وجدوا أن حاله مع
الشيخين لم يكن كحاله وموقفه مع معاوية، ومن ثم قد يكون الدافع للسؤال
هو أصل قتاله لمعاوية ما هو؟
ثانياً: إن معاوية لم يدع الترويج في كونه على سنة الشيخين؛ بل إن
ذلك الأمر قد تم شرطه على ابن عمه عثمان بن عفان من قبل أهل الشورى
حتى تتم مبايعته خليفة للمسلمين في حين رفضه الإمام علي عليه السلام،
ومن ثم فالإمام علي عليه السلام إنما يقاتل اليوم الفكر الذي نشأ في السقيفة
وتعاظم في الإسلام حتى بلغ مبلغ الجمل وصفين والنهروان؛ ومن ثم أرادوا
أن يقطعوا الشك باليقين من خلال سؤالهم له عليه السلام في رأيه في
الشيخين، وإن علياً يقاتل الفكر الجديد الذي أسسه الشيخان وحمله بنو أمية
ص: 180
فعظم سلطانهم به.
ثالثاً: إن حزنه الشديد على محمد بن أبي بكر وتوجعه لفراقه قد أثار
حفيظتهم؛ وذلك أنه ابن أبي بكر الذي جرى منه في حق العترة المحمدية ما
جرى لاسيما أمره باقتحام بيت فاطمة عليها السلام وحرق بابها وإسقاط
جنينها حتى بات هذا الأمر غصة في حلق أبي بكر عند احتضاره وهو القائل:
(يا ليت لم أكتشف بيت فاطمة ولو أعلن عليّ الحرب)(1).
ومن ثم لماذا هذا الحزن على محمد وهو ابن أبي بكر الذي كان له حرب
مع العترة النبوية؟
ولذا: فقد أدخل هذا الحزن والتألم على استشهاد محمد بن أبي بكر
الريبة في نفوسهم فاندفعوا للسؤال لمعرفة رأيه عليه السلام في أبي بكر وعمر.
رابعاً: وقد يكون الباعث في السؤال هو تلك الوسائل التي استخدمها
الشيخان في تحقيق (الأمن الفكري) كما مرّ بيانه؛ مما يعني تأثر جيل النخبة
التي كانت تقاتل مع علي عليه السلام بتلك الوسائل؛
بمعنى أوضح: تغلغل الثقافة المنحرفة إلى صفوف النخبة، ومن ثم يحتاج
السؤال إلى إجراءات محكمة تحقق الأمن الفكري في الأمة بعد أن وصلت
الأمور إلى هذا المستوى من الحرب العسكرية التي ترتكز في جميع مقوماتها
ودوامها وانتصارها على العقيدة القتالية.
ص: 181
وعليه: فثمة دوافع وأسباب أخرى كانت هي المحرك في سؤال النخبة
لأمير المؤمنين عليه السلام عن رأيه في أبي بكر وعمر مما يعني احتياج الأمة إلى
بناء معرفي ومعطيات فكرية تتحدد بها ثقافة هذه الأمة وتكون عنوان هويتها
وانتمائها.
وهو: ما حرص عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فكان جوابه إليهم هو الدواء الذي يعالج فكر الأمة ويضمن لها الأمن والأمان
والحياة الكريمة حينما تتمسّك وتعمل بتلك الأصول التي تحقق الأمن الفكري.
وهو ما سنعرض له في المبحث القادم.
ص: 182
بناءً على ما تم بيانه من خلال مباحث هذه الدراسة فإن هذه الرسالة
التي أخرجها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى شيعته خاصة والمسلمين
عامة لتشتمل على مجموعة أصول في الأمن الفكري وإن المسلم يمكن له أن
يعتمدها في حياته كي ينجو بها أولاً؛ وثانياً يستطيع أن يسهم في بناء مجتمعه
وذلك من خلال نشر هذه الأصول التي تضمنتها هذه الرسالة، وهي كالآتي:
قال عليه السلام:
«وأنا مخرج إلیکم کتاباً أخبرکم فیه عما سألتم، وأسألکم أن تحفظوا من حقی ما ضیعتم».
إن ما يلفت الانتباه أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقرن جوابه
على سؤالهم بحقه الذي ضيعوه، ممّا أثار مجموعة من الأسئلة:
ص: 183
1- المستفاد من الحادثة أن الذين جاءوا إليه ليسألوه هم رجال قد
عرفوا بولائهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام باستثناء ابن سبأ الذي انحرف
في آخر أمره وشذ عن جادة الحق.
ومن ثم فإن كان هؤلاء الذين يقاتلون معه وعرفوا بولائهم له هم من
المضيعين لحقه فما هو حال غيرهم من المسلمين؟
2- ما هو هذا الحق الذي ضيعه المقربون فكيف بالأبعدين؛ بمعنى: قد
يراد بقوله المسلمين خاصة وعامة، أي الشيعة وأبناء العامة؛ وقد يراد بقوله
أصل حقه عليه السلام؛ مما يقتضي أولاً وقبل كل شيء معرفة حقه عليه
السلام؟
3- إن من البداهة بمكان أن تكون النتائج تبعاً للمقدمات، ومن ثم فإن
النتائج التي وصل إليها الواقع الإسلامي آنذاك، وكذلك اليوم هي تبعُ
للمقدمات التي سبقت هذه التنائج.
بمعنى: إنّ الاقتتال الذي نشأ بين المسلمين وتلك التفرقة والاختلاف
وتفشي الظلم وانتهاك المحارم إنما كان سببه ضياع حق علي عليه السلام في
يوم السقيفة.
وعليه:
فإن كنتم تريدون النجاة في الدنيا والآخرة فيلزم أن يعود الحق إلى أهله
وإلا، لا تكون هناك فائدة من معرفة الجواب لما سألتم عنه.
4- لا شك - وكما أسلفنا في المسألة السابقة - أن سؤالهم عن أبي
ص: 184
بكر وعمر يكشف عن وجود خلاف جذري في العقيدة، ومن ثم فالإمام أمير
المؤمنين عليه السلام يدرك أن ترميم العقيدة الإسلامية لابد أن يكون
بالرجوع إلى الأسباب التي أوصلت واقع المسلمين إلى هذا المستوى.
أما كيف ضيعوا حق علي عليه السلام؟ وهم يقاتلون معه؟
والجواب:
أنهم خذلوه في السقيفة، وفي بيعة أبي بكر، وعند استخلاف أبي بكر
لعمر من بعده، وعند تحزب أهل الشورى ضده، فكل هذه السنين لم يكن له
فيها أنصار وأعوان، فأي تضييع أعظم من هذا التضييع؟
وعليه:
لو كانوا منذ يوم السقيفة مناصرين وملتزمين ببيعتهم له في غدير خم لما
وصل بهم الحال إلى هذا المستوى من الفرقة والاختلاف والاقتتال وتضييع
الولد والأموال والمقدسات.
في حين لو التزموا حقه عليه السلام وناصروه على أخذه من غاصبيه
لكان حالهم في نعيم وحياة كريمة كما تحدثت الصديقة فاطمة الزهراء عليها
السلام وهي تخاطبهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فقالت:
«ما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله منه شدة وطأته، ونكال
ص: 185
وقعته، ونكير سيفه، وتبحره في كتاب الله، وتنمره(1) في ذات الله؛ وأيم الله لو
تكافوا(2) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه(3) ثم لسار بهم سيرا سجحا(4)،
لا يكلم(5) خشاشه(6) ولا يتعتع(7) راكبه، ولا وردهم منهلا(8) رويا صافيا
فضفاضا(9) تطفح ضفتاه، ثم لأصدرهم بطانا(10) قد تخير لهم الري غير متحل
منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه سورة الساغب(11)، ولانفتحت عليهم بركات
من السماء والأرض، ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا فاسمعن. ومن عاش أراه الدهر العجب، وإن تعجبن فانظرن إلى أي
نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولمن اختاروا؟
ص: 186
ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير.
استبدلوا والله الذنابي(1) بالقوادم(2)، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس(3).
«قوم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»، «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ».
«...أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(4) (5).
قال عليه السلام:
«فاقروؤه علی شیعتی».
تعدّ (القراءة) من بين أهم الأصول التي توصل إلى الأمن وهي ميزة
امتازت بها مدرسة العترة النبوية عموماً عن بقية المدارس الفكرية في الإسلام
لاسيما مدرسة السقيفة كما مرّ بيانه في الفصل الأول من خلال الوسائل التي
استخدمها عمر بن الخطاب في سعيه لتحقيق الأمن الفكري، والتي ارتكزت
ص: 187
على محاربة القراءة ووسائل المعرفة من رواية أو تحديث أو كتابة أو اقتناء
للكتب أو السؤال أو حتى قراءة القرآن.
في حين أننا نشهد التأكيد والحث المستمر من الإمام علي عليه السلام في
التعلم والقراءة، والكتابة، وطرح الأسئلة، وهو القائل:
«سلونی قبل أن تفقدونی».
وهو قول لم يسبقه إليه قائل ولم يقل به من بعده قائل إلا وقد أخزي في
الجواب، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة.
وعليه:
لا يمكن تحقيق الأمن الفكري بدون القراءة للآخر ومعرفة ما خفي على
الإنسان من علوم فبالعلم تبنى النفوس والأمم وتنشأ الحضارات؛ وبالجهل
يتحول الإنسان إلى بهيمة بل أضل من ذلك وهي حقيقة طالما ذكر بها القرآن
الكريم.
فقال سبحانه:
«لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(1).
وقوله تعالى:
ص: 188
«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(1).
وعليه:
لابد من القراءة ونشر ثقافة القراءة في المجتمع فبها يتحقق الأمن
الفكري لا بمنعها كما تسعى كثير من الحكومات اليوم وتدعو إليه كثير من
أئمة الجوامع في البلاد الإسلامية لاسيما قراءة تاريخ المسلمين وحياة الصحابة
وعقيدة المذاهب وغيرها.
مما شكل جهلاً متراكماً منذ القرن الأول للهجرة حينما اتخذ الشيخان
ومن بعدهما الحكام ثقافة التعتيم وحبس القراءة.
قال عليه السلام:
«وکونوا علی الحق أعواناً».
إن من البداهة بمكان أن يكون أصل وقوع الانحراف وانعدام الأمن هو
التآزر على الباطل والتحزب له ومشايعته، ولذلك لابد من الالتفات إلى أن
التعاون على الحق سيثمر عن تحقيق الأمن الفكري.
ولو كان المسلمون قد تعاونوا على الحق لما وقعوا في تلك التحزبات
والاقتتال ولما كان ابن الطلقاء وشرذمة غزوة الأحزاب يجلسون مجلس الخلافة
ص: 189
ويتحكمون في مصير الأمة ومقدراتها.
وهذه الدعوة هي دعوة قرآنية، فقد قال سبحانه:
«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»(1).
خاصة
قال عليه السلام:
«أما بعد فإن اللّه بعث محمدا صلى اللّه عليه و آله وسلم نذيرا للعالمين،و أمينا على التنزيل، و شهيدا على هذه الأمة، و أنتم یا معشر العرب يومئذ على شر دين و في شر دار، منيخون على حجارة خشن و حيّات(2) صم، و شوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء تلخبيث، و تأكلون الطعام الجشیب(3)، وتسفكون دماءكم، و تقتلون أولادكم، و تقطعون أرحامكم، و تأكلون أموالكم (بينكم) بالباطل، سبلكم خائفة، و الأصنام فيكم منصوبة، (والآثام بکم معصوبة(4)).
«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ»(5).
ص: 190
فمنّ الله علیکم بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم فبعثه إلیکم رسولا من أنفسکم، وقال فیما أنزل من کتابه:
«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(1).
وقال - تعالی -:
«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).
وقال - عزّوجل -:
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ...»(3).
وقال - سبحانه -:
«ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(4).
ص: 191
إنّ من أهم الأمور التي أدت إلى نشر الجاهلية والفكر المنحرف هو
تجاهل الدور الكبير الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إنقاذ
العرب خاصة وقد بعث فيهم وهم على تلك الأخلاق والتردي النفسي
والمجتمعي والفكري.
ومن ثم فإن الدافع في تذكيرهم بما كانوا عليه من انحرافات أخلاقية
ونفسية واجتماعية إنما لتحقيق جملة من الأمور تدفع بمجملها إلى الأمن
الفكري، وهي كالآتي:
1- إن كثيراً من المسلمين قد جاءوا إلى الإسلام في عام الفتح أي لم
يدركوا من الإسلام إلا شهوراً عدة ومن ثم فإن هذه المدة غير كافية في تمكن
الإنسان من الانسلاخ من بيئته وعاداته التي نشأ عليها، وتجذرت طباعه فيها
مما شكل عائقاً في تطبيق التعاليم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فاحتاج على التذكير.
2- إن كثيراً منهم وإن طال به المقام في الإسلام، إلا أنه لم يزل متأثراً
بتلك الأعراف القبلية والعادات الصحراوية، وهذا الصنف وإن لم يجد
الفرصة في إظهار تلك العادات فإنه سيظهرها حينما تتهيأ له الظروف، ومن
ثم قد يلتبس الأمر على غيره من المسلمين في التثبت بين ما هو إسلامي
وعرفي.
3- إن البعض لاسيما حكام الجور وأهل النفاق حينما لم يجد القدرة
على التخلص من هذه الأخلاق سعى إلى إلصاقها برسول الله صلى الله عليه
ص: 192
وآله وسلم كي يستطيع أن يمارسها من جهة ومن جهة أخرى يرد بها على
المعترضين عليه لما فعله من خلق قبيح، ولعل تتبع هذه الشواهد تجردنا عن
العنوان، ولكن على سبيل إيراد البينة، نورد ما يلي:
الجاهلية - والعياذ بالله -.
1- يروي لنا البخاري في (الصحيح) عن أبي هريرة، عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:
«اللهم إنما محمد بشر، یغضب کما یغضب کما یغضب البشر، وإنی قد اتخذت عندک عهداً لم تحلفنیه، فإیما عبد آذیته، أو مسسته، أو جلدته، فاجعلها کفارة وقربة تقربها إلیك»(1).
2- وفي حديث آخر، إنه قال:
«اللهم إنما أنا بشر فإیما رجل من المسلمین لعنته أو سببته فاجعله له زکاة وأجراً»(2).
ونلاحظ في الحديث أن الراوي أراد أن يقدم صورة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم إلى الناس بأنه كان يسب ويلعن ويجلد - والعياذ بالله - ومن
ثم فإن كان الخليفة أو أحد رموز الصحابة، أو الراوي نفسه على هذه
ص: 193
الأخلاق التي نشأ عليها العرب في الجاهلية هي نفسها كانت تمارس من قبل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله - وبعلة مقبولة لدى ضعاف
النفوس والحمقى بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر ومن ثم يجري عليه
ما يجري على البشر.
في حين أن المثلية البشرية إنما يراد بها الأكل والشراب والزواج والموت
والمرض وغير ذلك كي لا تندفع الناس إلى تأليه الأنبياء عليهم السلام، أما في
الجانب الأخلاقي والكمالي فهم منزهون عن الرذائل والفواحش ما ظهر منها
وما خفي؛ وإلا لانتفت النبوة لما يحدث فيها من تعارض بين ما حرم الله تعالى على من آمن به وبين وقوع الأنبياء عليهم السلام - والعياذ بالله -
بتلك المحرمات كإيذاء عباد الله تعالى وجلدهم وسبهم ولعنهم، وهذه
الأفعال محرمة على المسلم فكيف بسيد الخلق وقد مدحه ربه عز وجل فقال:
«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1).
ولما قيل له أدع على المشركين قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«إنی لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة»(2).
بل كان ينهاهم عن لعن الدواب(3).
وعليه:
ص: 194
فالأمن الفكري يلزم معرفة أخلاق الجاهلية وما حرمه الله تعالى من
هذه الأخلاق وما هو جهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إنقاذهم
وتعليمهم وتزكيتهم، لا العكس الذي أخرجه البخاري مما أدى إلى أن كثيراً
من المسلمين اليوم وبفعل تلك الأحاديث وسيرة أئمة الضلال لأبعد الناس
من الإسلام وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بالله - بالمحرمات والتهاون فيها
لم يكتف أهل الضلال بتلفيق أحاديث حول نسب بعض الأفعال المنافية
للخلق القرآنية - والعياذ بالله - إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وإنما تمادوا في الجرأة على الله تعالى فنسبوا بعض المحرمات إليه - والعياذ بالله
، وعلى سبيل الاستشهاد نورد ما يلي:
روى البخاري وأحمد عن أبي هريرة أنه قال:
(أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب! فقال لنا: «مكانكم»، ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه)(1)
ص: 195
والحديث يكشف عن وضوعه بنفسه.
ألف: كيف يبقى سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله
على الجنابة فيكون ذلك حاجزاً بينه وبين نزول الوحي عليه السلام الذي
يجب عليه أن يكون طاهراً، فماذا لو أراد الله أن يطلعه على أمرٍ أو من كتابه
الكريم أو شؤون الخلق.
باء: كيف يبقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الجنابة ولم يسارع
في الغسل حتى نفترض أنه نسي والعياذ بالله.
جيم: ما هو ذنب المسلمين يبقون على وقوفهم وقد عطلت صلاتهم
وتأخرت مصالحهم وبيعهم وشراؤهم وشؤونهم حتى يذهب النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إلى داره ليغتسل ثم يعود يصلي بهم؟ ألم يكن بالإمكان أن
يأمر أحد أصحابه أن يصلي بالمسلمين كي ينصرف هو إلى الغسل وينصرفوا
هم إلى شؤونهم ومصالحهم؟
لا شك أن المراد من هذه الأكذوبة هو تمرير فعل الخلفاء والحكماء في
بقائهم على الجنابة أو قدومهم إلى الصلاة وهم مخمورون لا يدركون ما
يقولون ولا يعلمون أين يضعون أقدامهم كما هو حال خلفاء بني أمية
وولاتهم ولعل حال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لغني عن التعريف في صلاته
بالناس مخموراً حتى أخمص قدمه فاستغرق في محراب مسجد الكوفة.
ومن ثم لابد أن يكون هناك تثقيف على قبول حالات كهذه للحكام
وولاة الأمر الذين أوجب وعاظ السلاطين طاعتهم على الناس.
ص: 196
يروي البخاري في جامعه الذي سماه ب(الصحيح) اشتراك النبي - والعياذ
بالله - بالحفلات النسائية التي تقام في الأعراس وجلوسه على فراش العروس وهي امرأة أجنبية وهو فعل لا يليق برجل وقور وإن لم يكن على دين فكيف
ينسب البخاري هذا العمل القبيح والمحرم لسيد الخلق وخيرة الله من
خلقه؟!!
فقد أخرج البخاري عن خالد بن ذكوان، قال: (قالت الربيع بنت
معوذ ابن عفراء جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل حيث بنى عليَّ،
فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف
ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر؛ إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في
غد.
فقال صلى الله عليه - وآله - وسلم: «دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين»(1))؟!
والحديث لا يحتاج إلى تعليق فهو غني عن البيان في نسب الأفعال
المحرمة والعياذ بالله إلى أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
ألف: روى البخاري ومسلم عن حذيفة، قال: (أتى النبي صلى الله
عليه - وآله - وسلم سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء فجئته بماء
ص: 197
فتوضّأ)(1).
باء: روى البخاري عن أبي وائل قال: (كان أبو موسى الأشعري يشدد
في البول ويقول بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال
حذيفة: ليته أمسك، أتى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم سباطة
قوم فبال قائماً)(2).
جيم: عن أبي حذيفة قال: (رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه - وآله -
وسلم نتماشى فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال
فانتبذت منه فأشار إليّ فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ)(3)!!!
وهذه الأحاديث الملفقة الضالة أريد منها إبقاء القوم على سنن الجاهلية
وأخلاقها فضلاً عن التعريض والاستهزاء بشخص رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم واهانته.
فضلاً عن تبرير هذه الأفعال التي كان بعض الصحابة يفعلها فنسبت إلى
سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله كي لا يعترض الناس على
من يقوم بها لاسيما وإن فعل التبول عن وقوف كان من خلق عمر بن
الخطاب وغيره، كما أخرج الترمذي في سننه عن عمر قال: (رآني رسول الله
صلى الله عليه - وآله - وسلم وأنا أبول قائماً فقال: «يا عمر لا تبل قائماً»
ص: 198
فما بلت قائماً قط)(1).
وعليه:
فإن من أصول الأمن الفكري الذي ورد في رسالة أمير المؤمنين عليه
السلام إلى شيعته والمسلمين عامة هو معرفة سنن الجاهلية وأخلاق العرب
قبل الإسلام كي يلمس المؤمن حجم الجهد والجهاد الذي بذله رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في انقاذ البشرية من الضلال فضلاً عن معرفة أن
هؤلاء المنافقين ما زالوا على تلك الأخلاق ومن ثم يلزم تحصيل وسائل
المعرفة في فصل هذه القبائح والرذائل عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وإن الثابت هو أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان كما ذكره ربه في
محكم كتابه الكريم، فقال عزّ وجل:
«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
ومن ثم فإن صفات الحكام والولاة التي كانت مخالفة للخلق القرآني
والنبوي إنما تكشف عن حقيقة هذه النفوس التي اتصفت بصفات الجاهلية
وأخلاقها وإن التمظهر بمظاهر الإسلام إنما هو لغرض المصالح الشخصية
والسياسية.
ص: 199
قال عليه السلام:
«فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته، فعلمكم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنة، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، و((أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا))، وأن توفوا بالعهد، ((وَلَاتَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا))، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغي، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم إليكم فيما أنزل عليكم: ألا تزنوا، ولا تربوا، ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين، وكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار نهاكم عنه(1).
لا يخفى على أهل الفكر والبحث ما للتفقه من ضرورة شرعية في حفظ
الإنسان والحياة بصورة عامة ونقلها من التخلف والتردي إلى الحضارة
والتطور والمدنية.
أما ما نشهده اليوم من مظاهر حياتية يمارسها بعض الذين اتصفوا
بصفات أهل العلم بالشريعة فهم أبعد الناس عنها؛ وذلك لمخالفتهم الخلق
ص: 200
القرآني والنبوي وتجميد عقولهم حينما اتبعوا من لا يفقه من القرآن حرفين
وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصره حينما قال: إني
تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وأهل بيتي
أذكركم الله أهل بيتي أذكركم الله أهل بيتي.
ولذلك: ما نشهده اليوم من تردٍّ لوضع المسلمين إنما لعدم التزامهم بما
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالثقلين فهجروهما وتمسكوا بغيرهما فكانت النتيجة هذا التردي.
ولذلك:
كان التفقه بالدين يلزم الرجوع إلى ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله
عليه وآله وسلم به من التمسك بالقرآن والعترة عليهم السلام اللذين يتحقق
بهما الأمن الفكري من الوقوع في البدع وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم
الله تعالى.
قال عليه السلام:
«فلما مضى لسبيله صلى الله عليه و آله تنازع المسلمون الأمر بعده، فو اللَّه ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلى الله عليه و آله عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أني
ص: 201
أحق بمقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء اللَّه حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين اللَّه وملة محمد صلى الله عليه و آله وإبراهيم عليه السلام فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون مصيبته أعظم علي من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أیام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت لله كلمة اللَّه هي العليا ولو كره الكافرون».
ينتقل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام في رسالته التي
تحقق الأمن الفكري للمسلمين إلى بيان ضرورة العلم بما شجر بين الصحابة
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كي يعلم المسلم أين يضع
قدمه على السبل التي تأخذ به إلى الآخرة وبها يتحدد مستقره فإما في جنة
ونعيم وإما في جهنم وعذاب مقيم، أي: أن يعلم من أين يأخذ دينه الذي
يقبل به على يوم القيامة.
ولخطورة الأمر على حياة المسلم في الدنيا والآخرة فقد خصص له
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه حيزاً في هذه
الرسالة.
إلا أن هذا الأصل في تحقيق الأمن الفكري هو أشد الأصول محاربة من
قبل أغلب علماء أبناء السنة والجماعة والأصح أبناء العامة من المسلمين،
ص: 202
حتى أجمعوا على حرمة التعرف والاطلاع على ما شجر بين الصحابة وعللوا
ذلك بعلل عدة مما شكل فارقاً في الأسس بين منهج الإمام علي عليه السلام
في تحقيق الأمن الفكري وبين علماء العامة، فكانت فتاواهم في ذلك كالآتي:
1- قال ابن الصلاح (المتوفى سنة 643 ه) في معرض بيانه لمعرفة
الصحابة:
(هذا علم كبير قد ألف الناس فيه كتبا كثيرة ومن أحلاها وأكثرها فوائد
كتاب الاستيعاب لابن عبد البر لولا ما شأنه به إيراده كثيراً مما شجر بين
الصحابة)(1).
2- قال ابن عربي (المتوفى سنة 638 ه) في الفتوحات في وصاياه:
(وإياك والخوض فيما شجر بين الصحابة ولتحبهم كلهم عن آخرهم
ولا سبيل إلى تجريح واحد منهم، فعنهم تأخذ الدين الذي تعبد الله به
وعاملهم بالعدالة في الأخذ عنهم ولا تتهمهم فهم خير القرون)(2).
3- قال الذهبي (المتوفى سنة 748 ه) في معرض بيانه لترجمة محمد بن
إدريس إمام المذهب الشافعي:
(كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه هوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل
يطوى ولا يروى، كما تقرر عن الكف عن كثيرٍ مما شجر بين الصحابة
ص: 203
وقتالهم، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك
منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه
وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي
عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة
ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا
الله تعالى حيث يقول:
«وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(1).
فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة
ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن
بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة
العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين،
وبنات نبينا صلى الله عليه - وآله - وسلم، وأهل بدر مع كونهم على
مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر
وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح.
ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد، والعباس، وعبد الله بن
عمرو، وهذه الحلبة، ثم سائر من صحب رسول الله صلى الله عليه - وآله -
ص: 204
وسلم وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه، رضي الله عنهم أجمعين وعن
جميع صواحب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم المهاجرات
والمدنيات وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات.
فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه،
ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل، أو
رد ما في الصحاح والمسانيد، ومتى إفاقة من به سكران؟!
ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض، وتحاربوا، وجرت أمور
لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقع في كتب التواريخ وكتب الجرح
والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصم نفسه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما
لا يعنيه، ولحوم العلماء مسمومة، وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم، وكثرة
وهمه، أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث الصحيح
من الحسن، والحسن من الضعيف)(1).
أقول: إن ما ورد عن الحافظ الذهبي يحتاج إلى ذكر مجموعة من
الملاحظات إلا أننا هنا نورد ملاحظتين فقط:
1- إن الذي دفعه لذكر هذا القول هو أن الشافعي نفسه قد تكلم فيما
شجر بين الصحابة، فحكم بأن من قاتل علياً فهو باغٍ، أي عائشة وطلحة
والزبير، ومعاوية، وقد أنكر عليه يحيى بن معين فرد عليه أحمد بن حنبل(2)،
ص: 205
وهو مما أنكر عليه في ذلك واتهم بالرفض إلا أنه لم يبالِ بما يقوله خصومه ولم
يأبه لهم بل كان يعلن عن ثباته على حب آل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم.
وفي ذلك روى ابن عبد البر (المتوفى 643 ه) عن الربيع بن سليمان
المؤذن قال:
(حججت مع محمد بن إدريس الشافعي إلى مكة فما كان يصعد مشرفا
ولا يهبط وأدياً إلا أنشأ يقول:
یا راکباً قف بالمحصب من منی *** واهتف بساکن خفیفها واناهض
سحرا إذا فاض الحجیج إلی منی *** فیضاً کملتطم الفرات الفائض
إن کان رفضاً حب آل محمد *** فلیشهد الثقلان أنی رافضی(1)
2- إن الذهبي يناقض نفسه في رد هذه الفتوى: أي تحريم الدخول فيما
شجر بين الصحابة، فبين ذكره لمجموعة من الأسباب التي لا تصمد أمام
القرآن والسنة النبوية في تحريم الدخول ومعرفة ما شجر بين الصحابة وبين
قوله: إنّ ذلك كله إما مقطوع أو ضعيف أو مكذوب، يعود فيقر بأن الحديث
فيما شجر بين الصحابة (قد تكلم - به - خلق من التابعين بعضهم في بعض،
وتحاربوا، وجرت أمور لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقع في كتب
ص: 206
التواريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصم نفسه، ومن
حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(1)!!
ولا نعلم ما الذي يعني المسلم أكثر من دينه وعقيدته التي يقبل بها على
الله وبهما يتحدد مصيره في الآخرة إما الجنة وإما النار؛ فالأمر لا يتعلق
بشخص ما من الصحابة وإنما بما نقلوه إلى الناس من أمور دينهم، والسؤال
الأهم: هل يصح الرجوع إليهم في أخذ الشريعة؟ وأين دليل ذلك في القرآن
والسنة؟
وكيف لمسلم - يؤمن بالله واليوم الآخر - أن يرد حديث الثقلين
(كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وقد تضافرت طرقه الصحيحة؟ أفأمرنا الله ورسوله بترك الصحيح والتمسك بالقيم أم أمرنا بترك أهل الصدق والتمسك
بأهل البدع والكذب؟!! ما لكم كيف تحكمون؟
ولذلك: لم نجد أصلاً في القرآن والسنة يصرحان بحرمة أو كراهة هذه
المعرفة، ولم نجد مع تتبعنا أن العلماء قد التزموا بذلك، فلماذا هذا الإنكار
على الداخلين إلى حياة الصحابة لمعرفة حقيقة دينهم وإيمانهم وما نقلوه إلى
الناس من شريعة؟
4- يقول ابن تيمية وهو أكثر المتشددين في هذه الحرمة والمنع، وقد
سأل عما شجر بين الصحابة وبالأخص أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي
ص: 207
طالب عليه أفضل الصلاة والسلام وعائشة وطلحة والزبير، فأجاب:
(قد ثبت بالنصوص الصحيحة أن عثمان وعلياً وطلحة والزبير وعائشة
من أهل الجنة، بل قد ثبت في الصحيح: أنه لا يدخل النار أحدٌ قد بايع تحت
الشجرة.
وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان هم
من الصحابة ولهم فضائل ومحاسن وما يحكى عنهم كثير منه كذب، والصدق
منه إن كانوا فيه مجتهدين: فَالْمُجْتَهِدُ إذَا أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ
وَخَطَؤُهُ يُغْفَرُ لَهُ.
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ لَهُمْ ذُنُوباً فَالذُّنُوبُ لَا تُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ مُطْلَقاً إلَّا إذَا
انْتَفَتْ الْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ عَشْرَةٌ.
مِنْهَا: التَّوْبَةُ وَمِنْهَا الِاسْتِغْفَارُ وَمِنْهَا الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ وَمِنْهَا الْمَصَائِبُ
الْمُكَفِّرَةُ وَمِنْهَا شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ وَمِنْهَا شَفَاعَةُ
غَيْرِهِ وَمِنْهَا دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْهَا مَا يُهْدَى لِلْمَيِّتِ مِن الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ
وَمِنْهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَمِنْهَا أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ».
وَحِينَئِذٍ فَمَنْ جَزَمَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ لَهُ ذَنْباً يَدْخُلُ بِهِ النَّارَ قَطْعاً
فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ.
ص: 208
فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ لَكَانَ مُبْطِلاً فَكَيْفَ إذَا قَالَ مَا دَلَّتْ الدَّلَائِلُ
الْكَثِيرَةُ عَلَى نَقِيضِهِ؟ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ - وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ
ذَمِّهِمْ أَوْ التَّعَصُّبِ لِبَعْضِهِمْ بِالْبَاطِلِ - فَهُوَ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فِرْقَةٍ مِن المُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ
بِالْحَقِّ»، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ
وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِن المُسْلِمِينَ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ
بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)).
فَثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُسْلِمُونَ وَأَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - عليه السلام - وَاَلَّذِينَ مَعَهُ كَانُوا أَوْلَى بِالْحَقِّ مِن
الطَّائِفَةِ الْمُقَاتِلَةِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)(1).
ثم يستدرك ابن تيمية هذا القول والفتوى فيقول:
((وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ الْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ
الصَّحَابَةِ وَالِاسْتِغْفَارَ لِلطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعاً وَمُوَالَاتَهُمْ لَيْسَ مِن الوَاجِبِ اعْتِقَادُ أَنَّ
ص: 209
كُلَّ وَاحِدٍ مِن العَسْكَرِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجْتَهِداً مُتَأَوِّلاً كَالْعُلَمَاءِ بَلْ فِيهِمْ الْمُذْنِبُ
وَالْمُسِيءُ وَفِيهِمْ الْمُقَصِّرُ فِي الِاجْتِهَادِ لِنَوْعِ مِن الهَوَى لَكِنْ إذَا كَانَتْ السَّيِّئَةُ
فِي حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ كَانَتْ مَرْجُوحَةً مَغْفُورَةً.
(وَأَهْلُ السُّنَّةِ) تُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِمْ وَتَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ لَكِنْ لَا
يَعْتَقِدُونَ الْعِصْمَةَ مِن الإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ وَعَلَى الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ وَمَنْ سِوَاهُ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ
عَلَى الذَّنْبِ وَالْخَطَأِ لَكِنْ هُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
«أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ»(1).
وَفَضَائِلُ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هِيَ بِنَتَائِجِهَا وَعَوَاقِبِهَا لَا بِصُوَرِهَا)(2).
أقول: وهذه الفتوى ترد عليها مجموعة من الملاحظات، نورد بعضاً
منها بما يتناسب مع ضرورات البحث، وهي:
1- يفتقد ابن تيمية إلى المنهج العلمي في تصدير فتاواه لا سيما هذه
الفتوى وخير دليل على ذلك هو إيراده مسألتين يجزم بأنهما قد ثبتتا في
الأحاديث الصحيحة وهما أن عثمان وعلياً صلوات الله عليه وطلحة والزبير
وعائشة في الجنة وإن الذين بايعوا تحت الشجرة في الجنة وعليه: يصبح عثمان
ص: 210
وقاتله الصحابي عبد الرحمن بن عديس البلوي(1)، وعمرو بن الحمق
الخزاعي(2)، اللذان بايعا تحت الشجرة هما مع عثمان في الجنة؛ فأي جنة هذه
التي يدخلها القاتل والمقتول؟!!! وأي منهج هذا الذي استند إليه ابن تيمية في
إصدار فتواه؟!
2- يفتقد ابن تيمية كذلك في هذه الفتوى إلى المصداقية فلا يعلم
القارئ أي كلامه صدق والآخر كذب فبين كون الصحابة مجتهدين فللمخطئ
أجر واحد وبين أن الصحابة لهم ذنوب والذنوب لا توجب دخول النار إلا إذا
انتفت الأسباب المانعة من ذلك وهي عشرة.
أي بمعنى: أن الصحابة المذنبين يدخلون النار عند انتفاء هذه الموانع
ومن ثم ماذا يكون مصير المسلم حينما يتبعهم في دينه ويقلدهم أمره ويتخذهم
قادة وأئمة في الآخرة وهم في النار؛ أليس قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن
من أحب عمل قوم حشر معهم.
3- إن هذه الموانع العشرة التي ذكرها ابن تيمية التي تمنع الصحابة
المذنبين من دخول النار من أين علم ابن تيمية أنها متحققة في المذنبين منهم،
أكان يوحى إليه في أمرهم أم أطلعه الله تعالى على عاقبة أمرهم وكشف له
عن سرائرهم؟!
ص: 211
إن المسلم مقيد بالنصوص القرآنية والنبوية التي تنص على التثبت في أخذ دينه وعقيدته وليس باجتهادات ابن تيمية وفتاواه.
وعليه:
أراد الحكام ومنذ القرن الأول للهجرة منع المسلم من معرفة الحق من
الباطل والصدق من الكذب والمفسد من المصلح فخلطوا الأوراق ودلسوا في
الحقائق حرصاً منهم على الملك ودوامه كابراً عن كابر في بنيهم وأحفادهم
وإن كان ذلك يتطلب زج كل المعارف الإسلامية من القرآن والسنة والصحابة
المنتجبين إلى محرقة المصالح ودوام السلطان.
ومنه كان منعهم وتحريهم بفتاوى مدفوعة الثمن مسبقاً من الدخول إلى
حياة الصحابة ومعرفة ما شجر بينهم مما كان أحد الأسس والعوامل لنشوء
الفكر التكفيري وقتل المسلمين المخالفين لتلك الأهواء والبدع المقتضية بقاء
الخليفة في دار الخلافة وبين أحضان الجواري.
إذن:
كان الأصل السادس من أصول الأمن الفكري في نهج البلاغة هو
العلم بما شجر بين الصحابة ومعرفة حياتهم كي يكون المسلم عالماً بما يعمل
في أخذ دينه فيوالي أولياء الله ويتبرّأ من أعداء الله كي يحرز النجاة في الآخرة
ومن عذاب مقيم.
ولأجل ذلك تحدث عليه السلام بما جرى بين المسلمين من تنازع في أمر
الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن هذا التنازع في أمر
ص: 212
الخلافة كان مفاجئاً بحيث لم يخطر على باله عليه السلام أن العرب تعدل هذا
الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يكشف عن أن جميع من شهد
النبي في غدير خم كان قد بايع علياً على الخلافة في شهادة من الله ورسوله
صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين لكنه عليه السلام مع هذا لم يتخلّ عن
دوره في إمامة الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يتعامل
مع هذا الأمر على النحو الآتي، وهو ما سنعرض له في الأصل السابع.
يظهر من خلال بيانه عليه السلام فيما يتعلق بتعامله مع حدث السقيفة
وإفرازاته في انقلاب الناس وتوالي أبي بكر وعمر وموقفه معهما بالنصح أصل
آخر من أصول الأمن الفكري ألا وهو تغليب الإسلام على جميع المصالح
وهو ما ميزه عن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من خلال تعامله مع هذه الأحاديث بتلك الحكمة الروية والصبر والنصيحة
والجهاد في إظهار الحكم الشرعي وهو ما دل عليه قوله عليه السلام:
«فما راعنی إلا انثیال الناس علی أبی بکر وإجفالهم إلیه لیبایعوه، فأمسکت یدی ورأیت أنی أحق بمقام رسول الله صلی الله علیه وآله فی الناس ممن تولی الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله حتی رأیت راجعه من الناس رجعت عن الإسلام یدعون إلی محق دین الله ومله محمد صلی الله علیه وآله وإبراهیم علیه السلام فخشیت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أری فیه ثلما
ص: 213
وهدما یکون مصیبته أعظم علی من فوات ولایه أمورکم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و كما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق»(1).
وهذا البيان يكشف عن العلة في تعامله مع هذه الأحداث كما يكشف
عن العلة في تعامله مع أبي بكر وعمر خلال توليهما السلطة؛ فكان هدفه من
ذلك الإسلام وأهله وحفظ دين الله وملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من
أن يمحقا؛ بل إن الأمر لأخطر من ذلك، أي إن أول ما سيهدم هو التوحيد.
فقدم الإسلام على ولاية أمور المسلمين التي هي لديه متاع أيام قلائق
ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب.
وهي حقيقة لمسها أصحاب السلطة أنفسهم ومن اطلع على حياتهم؛
ويكفي بالمرء اعتباراً وعظمة من هذه الصور الحياتية أن ينظر إلى نهاية أسباب
السلطة وكيف كانت عاقبتهم وآخر أمرهم ويقارنه بحياة علي عليه السلام
والأئمة المعصومين من ولده سلام الله عليهم أجمعين).
قال عليه السلام:
«فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر وشدد، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع اللَّه فيه جاهداً، وما
ص: 214
طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يردّ إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصمة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا وتولى عمر الأمر وكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتی إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني فجعلني سادس ستة».
يقدم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام طبيعة الحقبة
التي تولى فيها أبو بكر وعمر أمر المسلمين بعد مبايعتهم له في سقيفة بني
ساعدة إلا أن الثناء الذي ورد في بيان حكم عمر يتعارض مع صريح موقفه
عليه السلام في بيان ظلامته واستحقاقه للأمر ومن ثم لا يتسق هذا الثناء مع
ثوابت سيرته عليه السلام مما يكشف عن أن هذه الفقرة هي مدسوسة في
حديثه كما أشار إلى ذلك غير واحدٍ من العلماء في بيان تدخل ابن سبأ في
بعض فقرات هذه الرسالة وقد مرت الإشارة إلى ذلك سابقاً.
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فقد خصص الشيخ المفيد وتحت عنوان:
(في أصناف أحاديث الأئمة) ما يكشف - على فرض صحة هذه الفقرة من
الخطبة - أن أحاديث الأئمة عليهم السلام تنقسم إلى أصناف فكانت كالآتي:
قال رحمه الله تعالى: (إن أقوال الأئمة عليهم السلام كانت تخرج على
ظاهر يوافق باطنه الأمن من العواقب في ذلك.
ويخرج منها ما ظاهره خلاف باطنه للتقية والاضطرار.
ص: 215
ومنها ما ظاهره الإيجاب والإلزام، وهو في نفسه ندب ونقل
واستحباب.
ومنها ما ظاهره نفل وندب، وهو على الوجوب.
ومنها عام يراد به الخصوص، وخاص يراد به العموم، وظاهر مستعار
في غير ما وضع له حقيقة الكلام، وتعريض في القول للاستصلاح والمداراة
وحقن الدماء.
وليس ذلك بعجيب منهم ولا ببدع، والقرآن الذي هو كلام الله عز
وجل وفيه الشفاء والبيان قد اختلفت ظواهره، وتباين الناس في اعتقاد
معانيه، وكذلك السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله، فالعلماء على
اختلاف في معنى كلامه عليه السلام فيها، ومع ذلك كله فالناس ممتحنون في
الأخبار وسماعها: فساهٍ في النقل، ومتعمد فيه الزيادة والنقصان، ومبدع في
الشريعة، متصنع لحسن الظاهر يقصد به إضلال العباد. والله موفق
للصواب)(1).
وهذا يكشف عن أن ما ورد في هذه الخطبة من الإشادة بسيرة عمر بن
الخطاب لا يتعدى هذه الأصناف التي أوردها الشيخ المفيد (طيب الله ثراه)
فضلاً عن موقفه الصريح من سيرة الشيخين حينما عرضت عليه الخلافة بعد
وفاة ابن الخطاب وقد اشترط فيها أعضاء الشورى الذين عينهم ابن الخطاب
بعد تعرضه للطعن فرض الخلافة تلك وقد اشترطوها عليه مقرونة بالعمل
ص: 216
بالقرآن والسنة وسيرة الشيخين فقبل الكتاب والسنة ورفض سيرة الشيخين.
أما فيما يتعلق بهذا الأصل وهو تقديم النصيحة للمسلم فقد ظهر جليا
في كلامه عليه السلام حينما قال:
«فصحبته مناصحاً».
وقوله في حكم عمر بن الخطاب:
«فسمعنا وأطعنا وناصحنا».
ولو اتخذ المسلمون هذا الأصل في تعاليمهم مع بعضهم لصلح حالهم
ولشخص عدوهم فضلاً عن أن النصيحة تعكس عن رقي النفس وخلوها من الضغائن التي تجرّ بالويلات على العباد والبلاد.
أما في حدود الطاعة للحاكم فقد حددها أمير المؤمنين عليه السلام بقيد
طاعة الحاكم لله تعالى أما فيما عدا ذلك فلا طاعة للحاكم، ولأن الأمر
يلازمه المواجهة مع الحاكم فقد جعله عليه السلام في عنوان الجهاد فقال عليه
السلام:
«وأطعته فیما أطاع الله فیه جاهداً».
إن التعامل الواقعي مع القرآن والسنة النبوية يحتاج إلى كاشفية في
الواقع الحياتي لدى الناس؛ بمعنى أننا لا نستطيع أن نحكم على المسلم بأنه
ملتزم بالقرآن والسنة، أي بالشريعة الإسلامية ما لم يكن ذلك متحققاً من
ص: 217
خلال تعامل هذا المسلم مع الشخص الذي يُمثل وجوده وجود الشريعة.
وعليه: لن نجد عاقلاً منصفاً يخشى الله واليوم الآخر حرّاً في حياته
محترماً أمام نفسه يستطيع أن ينكر أن الإمام عليّاً عليه السلام كان بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم مثالاً للقرآن والسنة فهذه الحياة التي بدأت ببيت
الله وحرمه الآمن الكعبة المشرفة واختتمت ببيت الله في جامع الكوفة شهيداً
في صلاته وفي محرابه لم يخالطها شيء فيه مخالفة للقرآن والسنة ومن أبى هذه
الحقيقة فليأتِ بالبينة على نفيها؛ أو أنها متحققة في غير علي عليه السلام من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه كتب المسلمين من
الصحاح والمسانيد والمستدركات والسنن والسير والتراجم والرجال والتفاسير
وغيرها مليئة بحال القوم وأحوالهم.
وعليه:
فإن معرفة ما وقع على الإمام علي عليه السلام من الظلم إنما يكشف
عن الظلم الذي وقع على القرآن والسنة؛ وذلك لأنه مثال القرآن والسنة بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأن التعامل معه كان تعاملاً مع
الشريعة.
ولذا:
فقد أظهر عليه السلام ما وقع عليه من الظلم الذي هو ظلم للقرآنوالسنة فقال:
«حتی إذا احتضر - عمر - قلت فی نفسی:
ص: 218
لن یعدلها عنی فجعلنی سادس ستة فما کانوا لولایة أحد أشد کراهیة منهم لولایتی علیهم فکانوا یسمعونی عند وفاة الرسول الله صلی اللّٰه علیه و آله وسلم أحاج أبا بکر، أقول:
یا معشر قریش إنا أهل البیت أحق بهذا الأمر منکم ما کان فینا من یقرأ القرآن و یعرف السنة و یدین دین الحق فخشی القوم إن أنا ولیت علیهم أن لا یکون لهم فی الأمر نصیب ما بقوا، فأجمعوا إجماعاً واحداً، فصرفوا الولایة إلی عثمان و أخرجونی منها رجاء أن ینالوها و یتداولوها إذ یئسوا أن ینالوا من قبلی ینالوها.
ثم قالوا: هلم فبایع و الا جاهدناک، فبایعت مستکرها و صبرت محتسبا، فقال قائلهم: یا ابن أبی طالب إنک علی هذا الأمر لحریص فقلت: أنتم أحرص منی و أبعد، أأنا أحرص إذا طلبت تراثی و حقی الذی جعلنی اللّٰه و رسوله أولی به؟ أم أنتم إذ تضربون وجهی دونه؟ و تحولون بینی و بینه؟! فبهتوا
«وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(1).
اللّهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وأصغوا
ص: 219
إنائي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا متوخما أو مت متأسفا حنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الهلاك فأغضيت على القذى، وتجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار.
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني».
وهذا البيان يكشف عن ضرورة اطلاع المسلم على مجريات الأحداث التي سعى فيها كثير من الرموز الإسلامية إلى تشتيت فكر المسلم ودفعه عن
حقيقة الإسلام ورموزه الذين من تمسك بهم فقد حقق الأمن الفكري في حين
أن التمسك بغير من أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بهم
(القرآن وعترته أهل بيته) يعدّ من الإرهاب الفكري وهو ما يشهده العالم
الإسلامي اليوم من خلال الحركات التكفيرية.
امتازت جميع الحكومات التي حكمت المسلمين ابتداءً من عصر الخلافة
ممثلاً في حقبة حكم أبي بكر وعمر وعثمان وانتهاءً بما يشهده المسلمون اليوم
من أنظمة حاكمة بفقدان النظام الانتخابي القائم على الحرية الفكرية السياسية
واختيار الحاكم الذي يرى فيه الناخب الأهلية لقيادة أمور الدنيا والدين
ص: 220
بلحاظ أننا نتناول دراسة الأمن الفكري في نهج البلاغة ومن ثمة لا يمكن عزل
الفكر العقدي المرتكز على مكون معرفي يحث على منح الحاكم الحق في تقرير
مصالح الدنيا والدين، والأمر لا يحتاج إلى تدليل فقد مر في هذه الدراسة
الكثير من الشواهد على دور الحاكم أو الخليفة في حياة المسلم الدينية
والدنيوية.
ومن ثم:
يفتقد المسلم إلى النظام الانتخابي والحرية الفكرية والسياسية في اختيار
الحاكم وتقليده أموره جميعاً وذلك يعود إلى جملة من الأسباب، وهي كالآتي:
1- إن المسلم شهد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
جملة من المتغيرات التي خلطت عليه الأمور فلم يستطع الفرز بين مسؤوليات
الحاكم الدينية والدنيوية.
2- إن عدم مقدرة المسلم على فرز عنوان الحاكم وتحديد مسؤولياته
باتجاه الدين أو الدنيا يعود السبب فيه إلى أن الذين جلسوا مجلس الخلافة أي
أبي بكر وعمر وعثمان أدعوا منزلة كانت تجمع الشؤون الدينية والدنيوية
فسموا أنفسهم بخلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما تطلب تقديم
إيديولوجية أو منهاج يجمع لدى المسلم هاتين القضيتين أو هاتين المنزلتين أو
الشأنين الشأن الديني والشأن الدنيوي ومن ثم لا وجود للنظام الانتخابي لدى
الفكر الإسلامي آنذاك.
ص: 221
3- فشل الخلفاء الثلاثة في الشأنين، إذ يكفي بقيام مجموعة من
الصحابة والمسلمين بعد مرور عقدين على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الخليفة الذي جمع لنفسه حتى هذا العنوان (خلافة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم) شؤون الدين والدنيا؛ وإذا به قتيل في داره وبين
نسائه وعلى يد بعض من بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت
الشجرة!!!
ومن ثم أصبح المسلم أمام ضياع حقيقي فمن جهة فشلت الخلافة في
تحقيق عنوانها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيادتها للدين
والدنيا ومن جهة ثانية لا وجود للنظام الانتخابي الذي يرتكز على الحرية
الفكرية والسياسية من الأساس.
وعليه:
يكمن الخلل في أن الذين جلسوا مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم جلسوا مجلساً ليسوا أهلاً له ودفعوا من كان هو المؤهل لذلك مع
يقينهم بأنهم وقعوا في الباطل وهم بأنفسهم حصدوا ثمار هذا الفعل؛ ومن ثم
فشل هذه الإيديولوجية أو المنهج في التعامل مع المسلمين بعد وفاة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم.
بمعنى آخر: وقوع الإرهاب الفكري وانعدام الأمن الشخصي
والمجتمعي الذي نال أعلى سلطة حاكمة وهي الخليفة.
إذن:
ص: 222
من الأصول التي تحقق الأمن الفكري التي أسس لها الإمام علي عليه
السلام هي الحرية الفكرية والسياسية والتي ترتكز على محورين أساسيين،
وهما:
المحور الأول: أن يكون المرشح لتولي أمور المسلمين حريصاً على
وحدتهم وائتلاف كلمتهم وهو مطلب جماهيري كما ذكره الإمام علي عليه
السلام حينما جاءه المسلمون يريدون مبايعته.
المحور الثاني: أن يشعر الناخب أن عدم قناعته بالمرشح لا يهدد حياته
وملاحقته من قبل الحاكم أو المرشح حال وصوله إلى السلطة، وهو ما أسسه
الإمام علي عليه السلام حينما بايعه المسلمون فقال عليه السلام:
«ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طائعاً قبلته منه، ومن أبى لم أكرهه
وتركته».
وهي حالة جديدة لم يشهدها المسلمون لا في الحقبة التي سبقت حكم الإمام علي عليه السلام ولا الحقبة التي أعقبته، وإلى يومنا هذا.
قال عليه السلام:
«فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما، فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أن خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا بایعنی أعطاني
ص: 223
الطاعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصر كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة صبرا، وطائفة عصبوا بأسیافهم فضاربوا بها حتی لقوا اللَّه صادقين، فو اللَّه لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي به قتل ذلك الجيش کله فدع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال اللَّه منهم فبعدا للقوم الظالمين».
تمتاز المرحلة التي برز فيها طلحة والزبير كقائدين لحراك انفصالي منسلخ
عن جماعة الأمة والتي تزامنت مع بيعة المسلمين للإمام أمير المؤمنين عليه
السلام بأنها من أكثر المراحل انتهاكاً للأمن الفكري والمجتمعي ما زال
المسلمون يدفعون جانباً من أبنائهم وأمنهم لها، وذلك أنها كانت المؤسس
لحراك معاوية وتقوية سلطانه وانتشار منهجه الذي برز في الإسلام اليوم
كمنهج أساس لأهل السنة والجماعة لاسيما وأن هذا المصطلح قد ولد من
رحم الإيديولوجية السفيانية الأموية.
ولذا:
نجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: يتحدث عن دور هذه المرحلة في
انعدام الأمن الفكري والمجتمعي ليقدم في بيانه لهذه المرحلة أحد الأصول التي
ينبغي مواجهتها بكل قوة وحزم، والتي ترتكز على مجموعة نقاط:
1- اطلاع المسلمين على حقيقة هذا الخروج والانشقاق والنكث
ص: 224
لبيعة إمام الأمة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا أمر في
غاية الأهمية.
2- إن عامة المسلمين ينظرون إلى هذين الرجلين بأنهما من خاصة
الصحابة بلحاظ التقوائية وإدخالهما ضمن حديث العشرة المبشرة بالجنة مما شكّل عائقاً كبيراً وجداراً صلباً أمام المسلم لمعرفة زيف هذه الشأنية
وانعدام التقوائية.
3- دفع الشبهة العالقة في أذهان المسلمين المرتكزة على قاعدة عدالة
الصحابة والتي أسست للتستر على الانتهاكات والفوادح التي ظهرت من عدد
من الصحابة.
4- إن طلحة والزبير استطاعا بهذا الخروج من تشتيت كلمة المسلمين
وإفساد كلمتهم بعد أن كانوا على أمرٍ واحد وهو طاعة إمام زمانهم الإمام
علي عليه السلام بعد أن بايعوه على الطاعة.
5- اعتماد منهج التكفير واستحلال دم المسلم ونهب ماله فكان
الأساس الذي تنطلق منه اليوم الحركات التكفيرية في قتل المسلمين ونهب
أموالهم.
في مقابل هذا المنهج والعمل الذي قام به طلحة والزبير يقدم الإمام علي
عليه السلام منهجاً مضاداً لهذا الفكر الهدام والتكفيري، فقال:
«فو اللَّه لو لم يصيبوا منهم إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله بلا
ص: 225
جرم جره لحل لي به قتل ذلك الجيش کله فدع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال اللَّه منهم فبعداً للقوم الظالمين».
بمعنى: يجب مواجهة الفكر التكفيري الذي أحل قتل المسلم ونهب ماله
بكل الوسائل الممكنة؛ لما لهذا الفكر من ضرر كبير على الأمة وأمنها، وذلك
أنهم لن يدعوا بشراً أو حجراً حتى يصلوا إلى السلطة، فهذه الأطماع السلطوية أساس انعدام الأمن في كل أمة من الأمم وعلى مر الزمان والمكان.
وكيفية مواجهتهم
قال عليه السلام:
«ثم إني نظرت في أهل الشام فإذا أعراب أحزاب، وأهل طمع جفاة طغاة يجتمعون في كل أوب من كان ينبغي أن يؤدب ویدرب أو يولي عليه ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار، ولا التابعين بإحسان، فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقا وفراقا ونهوضا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عظهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنهم قد رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا، فامضوا على حقكم وقتالكم، فأبيتم علي وقلتم: اقبل
ص: 226
منهم، فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم».
إن المتأمل في هذا الخطاب يجد أن تنامي الانحراف الفكري لدى
المسلمين منذ جلوس أبي بكر وإلى يوم صدور هذا الكتاب عن أمير
المؤمنين علي عليه السلام وقد سار بشكل متسارع وفي أكثر من فئة
اجتماعية إسلامية.
فابتدأ الأمر من المدينة حيث انسلاخ طلحة والزبير ونكثهما البيعة التي
بايعا فيها أمير المؤمنين عليه السلام آمنين غير مكرهين فاتجها مع مجموعة ممن
انحرفوا عن جادة الصواب إلى البصرة وفيها وجدوا من استجاب لهذا الفكر
الذي جاءوا به فنتج عنه حرب الجمل.
ثم ليتجه هذا الانحراف الفكري إلى الشام فيظهر بمظهر جلي امتاز
بتجذره في هذه الفئة الاجتماعية وبتناميه السريع فيما بينهم حتى افتقد جميع
حدود القرآن والسنة ولم يظهر فيه سوى علامة واحدة وهي حملهم
للمصاحف فكانوا أكثر الناس إحرازاً لعوامل الانحراف الفكري والتي حددها
أمير المؤمنين عليه السلام في خطابه هذا، فكانت كالآتي:
قد بيّن القرآن الكريم الأثر السلبي لهذه الفئة الاجتماعية على الإسلام
ص: 227
والمسلمين فقال عزّ وجل:
أ: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(1).
ب: «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).
ج: «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ»(3).
وغيرها من الآيات المباركة التي تكشف عن حقيقة هذه الفئة من الناس
وتأثيرها على المجتمع المسلم.
تدل لفظة الأحزاب على الفئات والمجموعات الاجتماعية ضمن نطاق
الفكر والعقيدة، أو العرق، أو العشيرة، وقد قدم القرآن هذه اللفظة ضمن
معانٍ قريبة من هذه الألفاظ إلا أنها أكثر سعة في الشمولية وأكثر تحديداً
لمفهوم الفئة فقال سبحانه:
ص: 228
أ: «وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ»(1).
ثم يبين القرآن الدور السلبي والأثر الفعال لهذه الفئات (الأحزاب) في
الانحراف الفكري وتضليل الناس عن الحق، فقال سبحانه:
«إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ»(2).
فاتضح أن دور الأحزاب كان في تكذيب الرسل وإضلال الناس عن أتباعهم والعمل على انحراف أفكارهم، وهذه صفة معاوية وأتباعه وأشياعه
إلى يوم الساعة. ثم يمضي القرآن ليبين للناس أن لفظ الأحزاب إنما أراد به
الفئات التي تضلل الناس وتعمل على انحرافها الفكري فقال سبحانه:
«وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ»(3).
ومن ثم يكون أهل الشام أي معاوية وأتباعه هم أتباع تلك الفئات التي
ذكرها القرآن وذلك أن الأساس والمنهج واحد في الانحراف الفكري.
وهذه الصفة جامعة ومتأصلة فيهم وهي أحد أهم العوامل في الانحراف
ص: 229
الفكري، فالطمع في المال والسلطة قد أعمى بصيرتها وأوحش طباعها فما
كانوا يتوانون في سفك دم المسلم وهتك كل حرمة من أجل إشباع هذا
الطمع.
ومن ثم فقد أصبحت هذه الصفة هي الدافع الأول لسلوك طريق
إضلال الناس وحرفهم عن جادة الإسلام كي يتمكن هؤلاء من استغلالهم
واتخاذهم وسيلة للوصول إلى المطامع، وهو ما شهده العالم الإسلامي آنذاك
وما يشهده اليوم.
والجفاة كما ورد عن ابن منظور، قال: قال الأزهري: جفوته جفوة
مرة واحدة، وجفاء كثيراً، مصدر عام، والجفاء يكون في الخلقة والخلق،
يقال: رجل جافي الخلقة وجافي الخلق إذا كان كزّاً غليظ العشرة والخرق في
المعاملة والتحامل عند الغضب والسَّورْةِ على الجليس.
وفي صفته صلى الله عليه وآله وسلم «ليس بالجافي المهين» أي: ليس
الغليظ الخلقة ولا الطبع أو ليس بالذي يجفو أصحابه، والمهين يروى بضم
الميم وفتحها، فالضم على الفاعل من أهان، أي لا يهين من صحبه)(1).
ومن ثم فهم غلاظ في العشرة والمعاملة والتحامل عند الغضب والتجاوز
على الجليس ومضايقته.
ص: 230
أي: أوغاد الناس(1)، والوغد هو اللئيم هكذا تعارف بين الناس(2).
(أي من كل مكان؛ وهذا يكشف عن وحدة الطباع لشيعة معاوية
وحزبه).
إن هذا الجيش الذي يقوده معاوية هو جيش المرتزقة الذين لاهم لهم
سوى سد أطماعهم ولذا فهم بحاجة إلى التأديب والتدريب على الضبط
الاجتماعي والآداب العامة التي تتماشى مع روح الإسلام ولا يكون ذلك إلا
من خلال انقيادهم لأمير يولى عليهم ويأخذ على يديهم.
وهذه السمة مهمة جداً وذلك أن معاوية وأشياعه ومن جاء من بعده
من حكام بني أمية ومن التف بهم وانتحل مذهبهم أسسوا لفكر شاذ يرتكز
على المساواة بين المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ضمن حديث
مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أنهم جعلوا أهل
القرون الثلاثة التي حكم فيها بنو أمية خير القرون واكسبوا شأنية مترلة جمعوا
ص: 231
فيها المهاجرين والأنصار والتابعين وهم تحت مصطلح (السلف الصالح)
فكانوا وبالاً على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذلك: أراد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام
إفاقة المسلمين من هذا الوهم الذي روج له معاوية ومن ولاه على رقاب
المسلمين ومهد له، فكان كلامه بينا واضحاً يدق ناقوس الخطر في هتك الأمن
وانحراف الفكر في المجتمع الإسلامي الذي لم يزل متمسكاً بهذا الانحراف
فيعد معاوية وحكام بني أمية وشيعة آل أبي سفيان في الشرافة والخيرة على حد سواء، فما يصدر عن معاوية له من القداسة والطاعة كما يصدر عن أبي بكر
وعمر وغيرهما من الصحابة.
هذا الانحراف الفكري احتاج إلى مجموعة معالجات لغرض الإصلاح
وتصحيح المسار وإرجاعه إلى طريق القرآن والسنة المحمّدية، فكانت معالجاته
عليه السلام قد سارت بالنحو الذي بينه في هذه الرسالة التي بعثها إلى شيعته
وعامة المسلمين، وهي كالآتي:
1- الدعوة إلى طاعة الإمام الذي بايعه المهاجرون والأنصار والتابعون
لهم بإحسان دون إكراه أو ترهيب(1).
ص: 232
وهذه السمة التي اتسمت بها بيعة الإمام علي عليه السلام أكسبتها
فرادة في الوقوع فلم تكن بيعة أبي بكر بهذه السمة وهي التي وسمها عمر بن
الخطاب ب(فلتة ولكن الله وقى شرها)(1).
ومن ثم تبقى هذه السمة قائمة وشرعية وملزمة للسلف والخلف الذين
اتخذوا شعارا لهم أليق بالتمسك بمنهج السلف وحياتهم فأطلقوا على أنفسهم
بالسلفية فأين هم من أولئك المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان الذين
أجمعوا على بيعة علي عليه السلام دون إكراه؟
2- إن الجماعة التي تحفظ الفكر من الانحراف تكون تحت راية علي بن
أبي طالب عليهما السلام، وإن معاوية وحزبه وشيعته هم الخارجون إلى
الجماعة فيلزم أن تكون الدعوة إلى لزوم الجماعة متحققة في علي بن أبي
طالب عليهما السلام لا غيره.
يرشدنا النص الشريف إلى أن الإمام عليّاً عليه السلام حينما سار إلى
أهل البدع والشقاق والنفاق يدعوهم إلى الطاعة والجماعة، فلم يرَ منهم ما
أراد بل إنهم أبوا إلا الخراب والدمار فكانت أعمالهم هي:
1- شقاق المسلمين وتفريقهم.
2- النفاق فكانوا يظهرون للناس بأنهم على الإسلام وهم أشد الخلق
ص: 233
عداءً لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
3- محاربة المسلمين بالسلاح ينضحونهم بالنبل، ويشجرونهم بالرماح.
مما أوجب على علي عليه السلام قتالهم.
وكشفها للناس
كما يرشدنا النص الشريف إلى أن هؤلاء المنحرفين والمحاربين للإسلام
حينما يجدون الحزم والشدة والمحاربة يلجأون إلى الاحتيال والتستر بمظاهر
الصلاح وأهل الدين، والدين منهم براء.
وهي حقيقة ملازمة لأهل الباطل والنفاق والشقاق على مر الأزمنة
وخير شاهد على ذلك ما قام به أصحاب معاوية حينما وجدوا أن السيف قد
أخذ منهم مأخذاً كبيراً كما بيّن حالهم الإمام علي عليه السلام فقال:
«فلما عظهم السلاح ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنهم رفعوها غدراً ومكيدة وخديعة ووهناً وضعفاً».
وهذه الحيلة والمكيدة لم تزل الوسيلة التي يعمل بها أشياع الباطل والنفاق
إلى يومنا هذا كتحسين الصوت في التلاوة وإطلاق اللحى وتقصير الثوب عند
الرجال وغيرها من المظاهر التي لا علاقة لها بالقرآن والسنة المحمدية.
ومن ثم:
ص: 234
لابد من كشف هذه الحيل لدى الناس وإظهار حقائق أهل النفاق كي لا ينغر بهم عامة الناس كما أشار إلى ذلك الإمام علي عليه السلام فقال:
«فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين و لاقرآن، وأنهم رفعوها غدراً مكيدة و خديعة».
فلا ينغر بهم أحد بل يجب محاربتهم وقتالهم.
ينتقل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى بيان
أصل آخر من أصول الأمن الفكري ألا وهو إحياء ما أحيا القرآن وإماتة ما
أمات القرآن وهو الأساس والأداة التي ينبغي الأخذ بها لإصلاح أمور
المسلمين حينما يعزمون جادين على جمع الكلمة والوحدة ونبذ الفرقة والنزاع
والتخاصم، فقال عليه السلام في بيان أمر الصلح حينما جنح له أهل المكيدة
والخداع كي يكفوا عن أنفسهم القتل والحرب فقال عليه السلام في رسم
الحدود لمن انتخب مفاوضاً مع الغريم:
«فقبلت منكم، وكففت عنهم، إذ وأبيتم وونیتم، وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن».
ولأن النية من الخصم لم تكن تريد الصلح وإنما الخديعة في الحرب فقد
اختلفوا في القرآن فما أماته القرآن هو النفاق والخداع؛ وما أحياه القرآن فهو
إرجاع الحق إلى أهله، أي إلى علي عليه السلام سواء بالمنظور التوفيقي، أي
ص: 235
بالنص والتعيين كما في بيعة الغدير، أو بالمنظور الانتخابي، كما في بيعتهم له عليه السلام بالخلافة؛ وفي كلا الأمرين والمنظورين يجب عليهم النزول إلى
حكم علي عليه السلام وطاعته ودخولهم في جماعة المسلمين.
إلاّ أن القوم قد خالطت الخديعة والنفاق دماءهم فأنى لهم بالنزول إلى
القرآن والعمل به وهم أعداء القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه صلى الله عليه
وآله وسلم.
إذن:
لتحصيل الأمن الفكري يجب الرجوع إلى القرآن وإحياء ما أحياه القرآن
وإماتة ما أماته القرآن.
وأبناؤهم وأشياعهم، فهم أهل البدع
إن وظيفة كل عالم ومتعلم وذي شأن قد أوكل إليه أمر الناس سواء في
الأسرة أو العمل أو المجتمع بمنظماته وهيآته وجمعياته، التعريف بأن العدو
الحقيقي الذي يلزم محاربته هم الطلقاء وأبناؤهم، أي بني أمية وأشياعهم،
ومنتحلو سنتهم ومنهاجهم وأفكارهم، فهؤلاء قادة الانحراف الفكري في
الأمة.
وهذا ما كشف عنه النص الشريف للإمام علي عليه السلام، إذ
صنفهم بأنهم العدو الحقيقي للمسلمين فقال عليه السلام:
ص: 236
«فلما کان ذلک من شأنهم أمرتکم أن تمضوا من فورکم ذلک إلی عدوکم».
ولعل الرجوع إلى موضع آخر من هذه الرسالة التي أخرجها الإمام علي
عليه الصلاة والسلام إلى المسلمين عامة في بيان الأخطار التي تتمثل في هذه
الفئة، معاوية ومن سار على نهجه من خلفاء بني أمية وغيرهم كالنواصب
وأتباع ابن تيمية، ليقدم صورة حقيقية من ضرورة إرشاد الناس إلى هذا الخطر
وكشف حقيقة هؤلاء فيقول عليهم السلام:
«قد بدت الرغوة من الصريح، وقد بين الصبح لذي عينين، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء ومن أسلم كرها، فكان لرسول اللَّه صلی الله علیه و آله أنف الإسلام كله حربا، أعداء اللَّه والسنة والقرآن وأهل البدع والأحداث، ومن كانت بوائقة تتقى، وكان على الإسلام وأهله مخوفا، آكلة الرشا وعبدة الدنيا، لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع حتى أعطاه [ثمنا] وشرط به أن يؤتيه ما هي أعظم مما في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإن فيهم لمن قد شرب فيکم الخمر وجلد الحد فی الإسلام، ويعرف بالفساد في الدين والفعل السيئ، وإن فيهم لمن لم يسلم حتى رضخ له علی الإسلام رضيخة.
فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من
ص: 237
ذكرت منهم بل هو شر منهم، هؤلاء الذين [ذكرت] لو ولوا عليكم ولا ظهروا فيكم الفساد والکبر والفجور والتسلط بالجبرية والفساد فی الأرض، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق».
وهذا المقطع من كلامه عليه الصلاة والسلام قد أظهر صفات أهل
البدع والأعداء الحقيقيين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين فكانت صفاتهم وعلاماتهم كالآتي:
1- (الطلقاء وأبناء الطلقاء)
وهؤلاء الذين أسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما فتح
الله له مكة فجمعهم ثم أطلق سراحهم فهم لم يسلموا وإنما استسلموا.
2- (أولي الجفاء).
3- (أسلموا كرهاً).
4- (كانوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام حرباً).
5- (أعداء الله والسنة والقرآن).
وينادون أنهم أنصار السنة وحماتها وهم ألد أعدائها.
6- (أهل البدع والأحداث).
وكل محدثة في النار.
7- (أهل البوائق على الإسلام وأهله).
ص: 238
8- (آكلين للرشوة).
9- (عبدة الدنيا).
ثم ينتقل عليه السلام إلى بيان قيادات هذه الجماعة وصفاتهم.
1- (الفسق والغدر).
وهذه صفات جميع قيادات هذه الجماعات التكفيرية منذ أن قبض رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2- (شرب الخمر).
وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط والي الكوفة من قبل عثمان بن عفان،
الذي استفرغ في محراب مسجد الكوفة من الخمر.
وقد أقام عليه الإمام الحد فجلده في محضر أخيه من أمه خليفة المسلمين
عثمان بن عفان.
3- (الاشتهار بالفساد والفعل السيئ).
وهو عمرو بن العاص.
4- (التعامل مع الإسلام بالصفقة والربح المتفق عليه مسبقاً).
وهي ولاية مصر التي أعطاها معاوية لعمرو بن العاص.
وجميع هذه الصفات هي نافذة وحاضرة لدى الفرق والمجاميع التكفيرية
ص: 239
التي حملت السلاح لغرض أفكارها وآرائها على الناس.
وعليه:
وجب على المسلمين معرفة هذه الفرق والجماعات منذ وفاة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا وتشخيص صفاتها وعلامتها
ومحاربتها.
يرشدنا النص الشريف عنه عليه السلام في نزوله عند رغبة جنده في
الرجوع إلى الكوفة وهي محل جنده وحاضنة شيعته كان لحكمة أظهرها لهم في
هذا الكتاب الذي أخرجه إليهم هذه الحكمة كانت إعادة بناء المحارب بناءً
نفسياً وروحياً كي يتمكن من مواصلة الجهاد والحرب على العدو الأول
للإسلام وأهله وهو الانحراف الفكري.
وعليه:
كانت هذه الحكمة برنامجاً للإعداد والبناء النفسي للمجاهد ضمن
الآليات الآتية، والتي وردت في النص الشريف عنه عليه السلام فقال:
«فلما كان ذلك من شأنهم(1)، أمرتكم أن تمضوا من فوركم، ذلك إلى عدوكم، فقلتم كلت سيوفنا، و نفدت نبالنا، و فصلت أسنة رماحنا، و عاد أكثرها قصيداً، فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، وإذا رجعت زدت فى مقاتلتنا عدة من هلك منا
ص: 240
و فارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدونا؛ فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة»(1).
وكان أمره عليه السلام لهم بالنزول بالنخيلة لغرض وضع برنامج البناء
النفسي للمحارب وكان كالآتي:
فقال عليه السلام:
«أن تلزموا معسکرکم».
وهذا يقتضي أن يكون المحارب سواء على الجانب العسكري أو
المحارب على الجانب العلمي والفكري أن يلزم محل الإعداد والبناء فيكون
المعسكر محلاً للعسكري والمدرسة والجامعة والمكتبة محلاً للمحارب الفكري.
فقال عليه السلام:
«وأن تضموا قواضبکم».
وهي السيوف التي تمتاز بشدة القطع، قال ابن حماد:
أم من دحا باب القموص ومن علا *** فی الحرب مرحب بالحسام القاضبِ(2)
وهي كناية عن المثابرة على لزوم السيف وعدم التواني في التهيئة
ص: 241
والاستعداد؛ إذ قد يباغتهم العدو وهم في غفلة وارتخاء فيتمكن منهم
ويقتلهم.
في المقابل يلزم من العالم وطالب العلم المثابرة على طلب العلم والكتابة
لرد الشبهات ومحاربة أهل البدع والضلال.
قال عليه السلام:
«وأن توطنوا علی الجهاد أنفسکم».
أي أن يتخذ الإنسان الجهاد وطناً لنفسه ومحل أنسه وسروره لا يكل ولا
يمل وإن ما عداه هو الغربة.
ولا شك أن رؤية الأبناء والسكن إلى النساء يدفع بالنفس إلى ترك
الجهاد واللجوء إلى القعود والسكون، مما يمكن العدو من هتك الحرمات وسبي
النساء والاعتداء عليهن وقتل الأبناء ولعل الأمر لا يحتاج إلى شواهد فما
يشهده المسلمون اليوم يغنيهم من النظر في الشواهد التاريخية فهذا الخلف تبع
لذاك السلف.
قال عليه السلام:
«فإن أهل الحرب المصابروها».
ص: 242
ثم ينتقل عليه الصلاة والسلام في بيان مصطلح أهل الحرب، ولا شك
أن هذا اللفظ (أهل الحرب) يشمل الحرب بالمعنى العام الذي يلزم المجالات
المختلفة كالاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والفكرية، وهذه المجالات لها
أهلها، ويشمل أيضاً الحرب بالمعنى الخاص وهو المجال العسكري، وفي كل
المجالين لابد من المحارب أن يتسم بسمة الصبر.
وهو معنى مجازي يراد به الاستعداد التام وبكل الجوارح والجوانح
للعمل، أي الهمة العالية في أداء الجهاد وخوض الحرب فمثال المحارب مثال
العامل المجد الذي شمر الثوب عن ساعديه دلالة على الجد والمثابرة وعدم
التواني في إنجاز العمل.
ولذا: يلزم أن يكون المحارب بهذه الهمة في جهاده ومحاربته للعدو ولا
شك في أن ذلك يسري في المجال الفكري كما يسري في ساحة المعركة.
ثم يرشدنا النص الشريف عنه عليه السلام إلى أن هذا البرنامج من البناء
النفسي له من الثمار ما يلي:
1- القدرة على السهر، فقد وصفهم عليه السلام بقوله:
«الذین لا ینوحون من سهر لیلهم».
2- القدرة على العطش في النهار، وذلك أن المحارب مشغول عن
ص: 243
طلب الماء قادر على تحمل العطش، فقال عليه السلام:
«ولا ظمأ نهارهم».
3- القدرة على الجوع، فقال عليه السلام:
«ولا خمص بطونهم».
وذلك أن بطونهم من قلة الطعام وانشغال المقاتل بالحرب قد أصبحت
خمص البطن، أي ذهاب شحمها.
4- القدرة على تحمل التعب، فقال عليه السلام:
«ولا نصب أبدانهم».
فهذه الأبدان التي انشغلت بالحرب والقتال من الطبيعي أن يصيبها
التعب، إلا أن المحارب الذي قام ببناء نفسه ضمن هذا البرنامج فإنه لا يلتفت
إلى تعب بدنه.
وهذا كله يدفع إلى اعتماد هذا البرنامج كي يحصل الإنسان على هذه
الثمار في محاربة العدو لاسيما أهل البدع والشبهات والانحراف الفكري.
قال عليه الصلاة والسلام:
«إني واللَّه لو لقيتهم فردا، وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة ويقين وصبر، وإني إلى لقاء ربي لمشتاق
ص: 244
ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني، وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال اللَّه دولا وعباد اللَّه خولا [والصالحين حربا] والفاسقین حزبا، وأيم اللَّه لولا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاؤهم، فو اللَّه إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب، فانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللَّه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون»(1).
يحدد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الرسالة الدافع في بيان هذه
الأصول التي تقود إلى تحقيق الأمن الفكري وقد حددها عليه السلام ضمن
مجموعة من الأمور تشكل من ناحية النتائج التي توصل الأمة إلى حالة الدمار
والانهيار فيما لم تهب لمحاربة عدوها الحقيقي، ومن جهة ثانية تشكل هذه
الأمور الدافع من وراء محاربة هذا الخلل الذي يرتكز على الانحراف الفكري؛
ومن ثم تكون محاربة هذ الأسباب والقضاء عليها محققة للأمن الفكري، وهي
كالآتي:
وهذا الأمر قد حذر منه من قبل سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم
وبينه للمهاجرين والأنصار وللمسلمين عامة، وحدد من يكون هؤلاء
ص: 245
السفهاء والفجار، في أحاديث كثيرة وفي أوقات مختلفة لكنهم لم يأخذوا بما
حذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فابتلوا شر بلاء بهؤلاء السفهاء
والفجار، وهذه الأحاديث النبوية الشريفة المحذرة للأمة كانت على النحو
الآتي:
1- عن أبي ذر الغفاري عليه الرحمة والرضوان قال: (سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إذا بلغت بنو أمیه أربعین اتخذوا عباد اللّه خولاً، ومال اللّه نحلاً، وکتاب اللّه دغلاً»)(1).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بلغت بنو أمية أربعين» أي سنة
أربعين للهجرة النبوية وهي السنة التي ولي فيها معاوية بن أبي سفيان أمر هذه
الأمة.
2- عن أبي هريرة قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله -
وسلم يقول:
«هلاک هذه الأمة علی یده أغیلمه من قریش»)(2).
ص: 246
3- عن عبد الرحمن بن عوف، قال:
(كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه - وآله -
وسلم فدعا له، فإذا دخل عليه مروان بن الحكم، فقال - صلى الله عليه وآله
وسلم -:
«هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون»)(1).
4- وعن أبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه قال: (سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودین الله دغلاً»)(2).
5- وعن أبي هريرة، أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه - وآله
- وسلم:
«إنی رأیت فی منامی کأن الحکم بن أبی العاص ینزون علی منبری کما تنزو القردة».
قال: فما رؤي رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم مستجمعاً
ضاحكاً حتى توفي)(3).
ص: 247
6- وعن أبي برزة الأسلمي قال: (كان أبغض الأحياء إلى رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف)(1).
7- وعن شعبة بن محمد بن زياد قال: (لما بايع معاوية لابنه يزيد، قال
مروان سنة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر سنة هرقل وقيصر -
فقال مروان رداً عليه - أنزل الله فيك:
«وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا...»(2).
قال: فبلغ عائشة، فقالت: كذب والله، والله ما هو به، ولكن رسول
الله صلى الله عليه - وآله - وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان
قصص من لعنة الله عزّ وجل)(3).
7- وعن مروة بن مرة الجهني - وكانت له صحبة - قال: (إنّ الحكم
بن أبي العاص استأذن على النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم صوته
وكلامه، فقال:
«إئذنوا له علیه لعنة اللّه وعلی من یخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقلیل ما هم یشرفون فی الدنیا ویوضعون فی الآخره ذو مکر
ص: 248
وخدیعه، یعطون فی الدنیا وما لهم فی الآخره من خلاق»)(1).
8- وعن عبد الله بن الزبير، أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه -
وآله - وسلم لعن الحكم وولده)(2).
وهذه الأحاديث النبوية الشريفة ترشد الباحث إلى جملة من الأمور،
وهي:
1- لا شك أنّ هذه الأحاديث تدل على وحدة التلازم بين النبي
والوصي صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما؛ فما حذّر منه النبي الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم حذّر منه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك
أن النتيجة التي تمخّضت عن هؤلاء السفهاء والفجار كانت على لسان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم كما كانت على لسان الوصي عليه السلام.
2- إنّ هذه الأمة التي ألقت وراء ظهرها تلك الأحاديث النبوية
الشريفة وتسالمت على الانقياد لبني أمية حاكماً بعد حاكم، لهي المسؤولة عما
وقع في هذه الأمة من الفتنة والاضطراب والقتل والنهب والتردي.
ص: 249
3- إنّ المسلمين اليوم إذا لم يأخذوا بهذه الأحاديث الشريفة ويكونوا
حقاً ممن يتمسكون بالقرآن والسنة فيحاربوا نهج بني أمية المستشري في معظم
المدارس العقدية والفقهية في هذه الأمة، لتدفع ضريبة باهظة خسائرها أعظم
مما قدمه السلف من خسائر.
4- إنّ الأمة التي تتولى حاكماً وتنقاد لأمره وهو قصص من لعنة الله
ولعنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لحري أن يكون أمرها إلى وبال
وخراب وذل.
كما حذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد اتخذوا مال الله
دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دغلاً.
5- إن الملفت للانتباه أن كثيراً من الصحابة وأزواج النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كانوا يعلمون علم اليقين بنهي وتحذير رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم من هؤلاء السفهاء الفجار، إلاّ أنهم كانوا يهادنون،
ويماطلون ويتسترون رعاية للمصالح والشاهد على ذلك:
أ: إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت لتروي هذا
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكاشف عن حقيقة مروان
وأبيه وما يلد مروان من أبناء، وأنهم ملعونون - ما لم يتعرض مروان لأخيها
عبد الرحمن بن أبي بكر، فنسبت إليه نزول الآية:
«وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا».
وهذا يكشف أن عائشة كانت تحفظ كثيراً من الأحاديث الشريفة
ص: 250
الكاشفة عن حقيقة كثيرٍ من الرموز، إلاّ أنّها لم تبح بها؛ لأنها لم تتعارض مع
مصالحها، ولعل ما مر ذكره سابقاً في تحاملها على عثمان بن عفان، ودعوة
الناس للانقلاب عليه حينما منع عنها ما كان قد خصصه لها عمر بن الخطاب من العطاء لخير شاهد على أن الأحاديث النبوية كانت تروى أو تكتم بحسب
ما تمليه مصلحة المتكلم.
ب: وهذا الحال يجري مع عبد الله بن الزبير حينما روى عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في لعنه لمروان بن الحكم حينما كان حاكماً في الشام هو
وولده عبد الملك ومحاربتهما له حينما أعلن الخلافة لنفسه في مكة.
ثانياً: إن حال المسلمين اليوم هو نتيجة لانحرافها الفكري عن القرآن
والسنة المحمدية.
لا شك أن حال المسلمين اليوم هو نتيجة لانحرافها الفكري عن القرآن
والسنة المحمدية النقية وإن هذا الانحراف الفكري قد قادها إلى الخضوع لما هو
موروث عقدي دون أي تنقيح وتمحيص وكان حال الأمة لا يمتّ لأحد من
أبنائها بشيء ولا يعنيه أمرها على الرغم من أنه يعاني من:
فعن قلة فرص العمل وتفشي البطالة وغلاء الأسعار إلى تنعم الحكام
وحواشيهم إلى حد الغرق في الترف وتضخّم الأرصدة في البنوك واستملاك
الشركات والأراضي والفنادق الفخمة.
ص: 251
في المقابل يزداد المسلم فقراً وجوعاً وألما بين تحقيق حلمه البسيط في أن
يحيا حياة كريمة تؤمن له حفظ ماء وجهه وتعينه على تحقيق رسالته في تعليم
أبنائه وتزويجهم.
وهو لا يدرك أن السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار الاقتصاري لأعظم
أمة من الأمم هو أن سفهاءها وفجارها تولّوا أمرها وحكموا بلادها
واستعبدوا عبادها فاتخذوا (مال الله دولاً) كما أخبر النبي الأعظم صلى الله
عليه وآله وسلم ووصيّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وحال
المسلمين اليوم غني عن البيان.
إنّ المسلمين اليوم كثير من مجتمعاتم أكثر تردياً من السلف، ويحيا
أبناؤهم بأسوأ من حال آبائهم وأجدادهم وذلك أن الآباء اليوم تبعاً لآبائهم
الذين كانوا عبيداً لأولئك السفهاء والفجار واليوم يعيش الأبناء ما عاشه
الآباء بين العبودية.
فالسلف الذين كانوا (خولاً)(1) لبني أمية، الخلف اليوم أكثر عبودية وذلاً.
إن أخطر ما يواجهه السفهاء والفجار هو الطبقة الواعية والصالحة
وذلك أن هذه الطبقة هي التي يؤول إليها أمر توعية الناس وإرشادهم إلى
ص: 252
الصواب فضلاً عن أن وجود الصلحاء في الأمة يكون حجة بالغة وبياناً
واضحاً على هؤلاء الذين ابتليت الأمة بهم.
ولذلك: لم يزالوا يحاربون الصلحاء، ويتحزبون للفساق.
وهذا الأمر هو النتيجة التي كان يأسف لها أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليهما السلام، فقال:
«ولکن أسفا یعترینی، وحزناً یخامرنی أن یلی أمر هذه الأمه سفهاؤها وفجارها فیتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، والصالحین حرباً والقاسطین حزباً وأیم الله لولا ذاک ما أکثرت تأنیبکم وتألیبکم، وتحریصکم، ولترکتکم إذ ونیتم وأبستم...».
ومما يؤسف له أن كثيراً ممن تصدوا لطلب العلم والفتيا هم من يحارب
تلك الطبقة الصالحة ويمنعها من كشف هذه الحقائق والأحاديث وخير شاهد
على ذلك أن كل من روى في علي من الأحاديث النبوية الكاشفة عن حقه
ومنزلته أو من روى في شأن مبغضيه والناصبين له العداء جوبه بالرفض
والحرب والقتل كما حدث للحافظ النسائي الذي سحق أهل الشام بطنه لروايته حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معاوية: (لا أشبع الله
له بطنا) وكذلك حال الحافظ النيسابوري الذي ختم أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم في بيان خطر بني أمية على الإسلام والمسلمين مخاطباً
طلبة العلم، فيقول:
(لیعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذکر فیه ثلث ما روی، وإن أول
ص: 253
الفتن فی هذه الأمة فتنتم ولم یسعنی فیما بینی وبین الله تعالی أن أخلی الکتاب من ذکرهم»(1).
هذا الصلاح الذي دفعه لذكر هذا المقدار من الأحاديث عن البغاة
والسفهاء وشر الخلق جابهه الحافظ الذهبي بقوله: (إمام صدوق لكنه يتشيع
ويصحح واهيات)(2).
وفي التذكرة يروي الذهبي عن ابن طاهر أنه قال: سألت أبا إسماعيل
الأنصاري عن الحاكم فقال:
(ثقة في الحديث رافضي خبيث - ثم قال ابن طاهر: كان شديد
التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان
منحرفاً عن معاوية والله متظاهراً بذلك ولا يتعذر منه).
قال الحافظ الذهبي معلقاً على قول ابن طاهر ما يلي:
(أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما أمر الشيخين فمعظم لهما
بكل حال، فهو شيعي لا رافضي، وليته لم يصنف المستدرك فإنه غض من
فضائله بسوء تصرفه)(3).
أقول: فهذا حال علماء الأمة مع الصالحين الدعاة إلى الحق الراجين
رضا الله ورسوله (ص) والحريصين على نجاة الناس وتحقيق الأمن الفكري
ص: 254
لهم.
يحقق الأمن فی الدنيا والآخرة
إن زبدة المخض يمكن إجمالها في هذه الحقيقة التي تخلف عنها السلف
فدفعوا من دمائهم وأموالهم وأبنائهم ثمناً لها وإن الخلف لو اتعظوا من السلف
وتحققوا في تلك النتائج لأنقذوا أنفسهم وأبناءهم كما حث القرآن على ذلك
قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(1).
ولقد حث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الأمة مراراً على
التمسك بما ينجيها من الانحراف الفكري ويحقق لها الأمان من الضلال والفوز
برضا الله في الدنيا والآخرة.
1- قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلی الأرض، وعترتی أهل بیتی، وإنهما لن
ص: 255
یفترقا حتی یردا علیّ الحوض»(1).
2- عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام عن جابر بن عبد الله،
قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوا، يخطب فسمعته يقول:
«يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي»(2).
3- وعن ثابت بن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم:
«إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(3).
4- وأخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، أنه قال:
«...قام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوماً فینا خطیباً بماء یدعی فمّاً بین مکه و المدینه و حمدالله و أثنی علیه و وعظ و ذکر».
ص: 256
ثم قال:
«أما بعد: ألا أیها الناس فإنما أنا بشر یوشک أن یأتی رسول ربی فأُجیب و أنا تارک فیکم ثقلین أولهما کتاب الله فیه الهدی و النور فخذوا بکتاب الله و استمسکوا».
فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:
«وأهل بیتی أذکرکم الله فی أهل بیتی، أذکرکم الله فی أهل بیتی، أذکرکم الله فی أهل بیتی»(1).
ولعل تتبع هذه الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ليخرج الكتاب عن عنوانه إلا أننا هنا نورد ما ختم به النبي صلى الله
عليه وآله وسلم حياته وأخبر المسلمين به وحثهم عليه وحذرهم منه بعد
مماته؛ فقد صدع لأمته بالنذارة وحثهم بالبشارة وبين لهم السبيل الذي
يأخذهم إلى الأمن والأمان والحياة الكريمة إلا أن القوم سول لهم الشيطان
فأغواهم وأرداهم فتركوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعصوه
في أمره فكان ما كان في السقيفة وما تلاها.
ولم يزل علي عليه السلام يناشدهم فيما ينجيهم وينقذهم ويسعدهم
إلا أنهم ركبوا الهوى واتبعوا الغوى، فكان مما يناشد به أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده وغير واحد من
الحفاظ فكان كالآتي:
ص: 257
1- عن زاذان بن عمر، قال: سمعت علياً - عليه السلام - في الرحبة
وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير
خم وهو يقول ما قال، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يقول:
«من کنت مولاه فعلی مولاه»(1).
2- وفي لفظ آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: شهدت علياً في
الرهبة ينشد الناس «أنشد الله من منكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه»؛ لما قام فشهد قال
عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا: نشهد أنا
سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم:
«ألست أولی بالمؤمنین من أنفسهم وأزواجی أمهاتهم».
فقلنا: بلى يا رسول الله، قال:
«فمن کنت مولاه فعلی مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»)(2).
3- وعن رياح بن الحرث قال:
ص: 258
(جا رهط إلى علي بالرهبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال - عليه
السلام -:
«کبف أکون مولاکم وأنتم قوم عرب؟».
قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم
يقول:
«من کنت مولاه، فإن هذا مولاه».
قال رياح بن الحرث: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا:
نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري)(1).
ومن هنا:
نجد أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال في
رسالته إلى المسلمين عامة وإلى شيعته خاصة، أي: من المسلمين الذين اتخذوه
ولياً بعد رسول الله كما أمر بذلك فأطاعوا نبيّهم ولزموا سنته صلى الله عليه
وآله وسلم:
«فاسمعوا قولي - هداكم اللَّه - اذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت، فو اللَّه لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون».
وهذا حال الأمة لا يحتاج إلى تدليل في عدم رشدها لمعصيتها قول
ص: 259
إمامها الشرعي علي بن أبي طالب عليه السلام.
والحال أيضاً لا يحتاج إلى بيان لما وصلت إليه الأمة من فقدان للأمن
والأمان في جميع مجالات الحياة، ولو أعيد للأمة رشدها في اتباعها جادة الحق ورجوعها إلى القرآن والسنة المحمدية اللذين أمرا بالتمسك بعلي بن أبي
طالب عليهما السلام لعم الأمن فيها.
ولحيوا حياة كريمة في الدنيا ونعيماً مقيماً أبداً في الآخرة.
وخير ما نختم به هذه الدراسة وصية الإمام الصادق عليه السلام إلى
المؤمنين فقال عليه السلام:
«أیتها العصابه الحافظ اللّه لهم أمرهم، علیکم بآثار رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وسنته، وآثار الأئمه الهداه من أهل بیت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدی، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لاأهم هم الذین أمر اللّه بطاعتهم وولایتهم، وقد قال أبونا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم:
المداومه علی العمل فی اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضی للّه وأنفع عنده فی العاقبه من الاجتهاد فی البدع واتباع الأهواء، ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغیر هدی من اللّه ضلال، وکل ضلاله بدعه، وکل بدعه فی النار، ولن ینال شیء من الخیر عند اللّه إلا بطاعته»(1).
ص: 260
تم بحمد الله وسابق لطفه ورحمته.
«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(1).
«...رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(2).
«...وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(3).
السيد نبيل بن السيد قدوري بن السيد حسن بن السيد علوان بن السيد
جاسم بن السيد حسين الحسني الكربلائي.
في العشرين من شهر رجب الأصب الموافق للعشرين من شهر آيار لسنة
1435 ه - 2014 م في حرم سيد الشهداء عليه السلام وأروقة مكتبة الروضة
الحسينية المقدسة.
ص: 261
ص: 262
1. القرآن الكريم
2. نهج البلاغة خطب وحكم ورسائل الإمام أمير المؤمنين عليه بن أبي طالب عليهما السلام، تجميع: السيد الرضي.
3. اجتماعيات فقه الشيعة وأحوط الأقوال من أحكام الشريعة /
تأليف: الفقيه المحقق السيد إسماعيل المرعشي / طبع ونشر: المؤلف لسنة
1419 ه، 1998 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.
4. الاستيعاب في معرفة الأصحاب / تأليف: يوسف بن عبد الله
بن محمد بن عبر البر القرطبي / تحقيق: علي محمد البجاوي / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الجيل / سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م / بيروت - لبنان.
5. الإصابة في تمييز الصحابة / تأليف: الحافظ أحمد بن علي ابن
حجر العسقلاني (ت 852 ه) / تحقيق: علي محمد البجاري / طبع: دار
الجيل لسنة 1412 ه، 1992 م / بيروت لبنان.
ص: 263
6. المصنف / تأليف: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي
العبسي / تحقيق وتعليق: سعيد اللحام / الطبعة الأولى / نشر: دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: جماد الآخرة 1409 ه، 1989 م /
بيروت - لبنان.
7. السنة / تأليف: عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 ه) /
تحقيق: محمد القحطاني / طبع: دار ابن القيم لسنة 1406 ه، 1986 م /
الطبعة الأولى / الطبعلة الأولى / الدمام.
8. نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول
والسبطين / تأليف: جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد
الزرندي الحنفي المدني / طبع ونشر: دار إحياء التراث الإسلامي / سنة
الطبع: 1425 ه / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
9. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير
الآلوسي) / تأليف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي
البغدادي (ت 1270 ه) / تحقيق: محمد حسين العرب / طبع: دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م / الطبعة الأولى /
بيروت - لبنان.
10. الإمامة والسياسة / تأليف: أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد
بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه) / طبع: دار الكتب العلمية /بيروت - لبنان.
ص: 264
11. إيضاح دفائن النواصب / تأليف: أبو الحسن محمد بن أحمد بن
علي بن حسين بن شاذان / مخطوط (يرقد في مكتبة مجلس الشورى
الإسلامي) / طهران - إيران.
12. المستدرك على الصحيحين / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عبد
الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا /
طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه، 2001 م / الطبعة الثانية /
بيروت - لبنان.
13. تاريخ مدينة دمشق الكبير / تأليف: أبو القاسم علي بن الحسن
بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 ه) / تحقيق: أبي عبد الله علي
عاشور الجنوبي / الطبعة الأولى / طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي لسنة
1421 ه 2001 م / بيروت - لبنان.
14. إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاحوال
والأموال والمفدة والمتاع / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر،
أبو العباس الحسيني العبيدي، المقريزي (ت 845 ه) / تحقيق: محمد عبد
الحميد النميسي / طبع ونشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب
العلمية لسنة 1420 ه، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
15. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة / تأليف: أحمد
بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه) / تحقيق: د.
ص: 265
عبد المعطي قلعجي / الطبعة الثالثة / نشر: دار الكتب العلمية / سنة
الطبع: 1429 ه / بيروت - لبنان.
16. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة / تأليف:
أحمد بن حجر الهيتمي المكي / طبع: دار الرسالة / بيروت - لبنان.
17. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام / أبو
البركات محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني / تحقيق: الشيخ محمد باقر
المحمودي / طبع ونشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية لسنة 1416 ه / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.
18. البداية والنهاية / تأليف: الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير
الدمشقي (ت 774 ه) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1414 ه،
1994 م / بيروت - لبنان.
19. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ويليه
البيان في أخبار صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف / تأليف:
أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي / تحقيق: د. محمد هادي
الأميني / طبع: شركة الكتبي لسنة 1413 ه، 1992 م / الطبعة الرابعة /
بيروت - لبنان.
20. أنساب الأشراف / تأليف: البلاذري / تحقيق: محمود
الفردوس العظم / طبع ونشر: دار اليقظة العربية لسنة 1997 م / الطبعة
الأولى / دمشق سوريا.
ص: 266
21. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم
القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الأسوة للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1416 ه، 1995 م /
بيروت - لبنان.
22. الأمالي / تأليف: الشيخ أبو جعفر بن محمد بن الحسن
الطوسي / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / الطبعة الأولى / نشر:
مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة / سنة الطبع: 1414 ه، 1993 م /
قم المقدسة - إيران.
23. الأمن الفكري الإسلامي، مجلة الأمن الحياة العدد 187
24. الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية؛ د. حيدر عبد
الرحمن الحيدر: ص 316 ط أكاديمية الشرطة، جمهورية مصر العربية الطبعة
الأولى لسنة 1423 ه.
25. الأمن الفكري والعقائدي مفاهيمه وخصائصه وكيفية تحقيقه؛
لأحمد بن علي بن المجدوب: ص 53، نشر دار النشر بالمركز العربي
للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض لسنة 1408 ه.
26. التاريخ العربي والمؤرخون / تأليف: شاكر مصطفى / الطبعة
الثانية / نشر: دار العلم للملايين / سنة الطبع: 1979 م / بيروت - لبنان.
27. الرسائل العشر / تأليف: الشيخ الطوسي / تحقيق: مهدي
اِّصادر واِّراجع
ص: 267
الزجاني / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي / سنة الطبع:
1409 ه، 1988 م / قم المقدسة - إيران.
28. السقيفة وفدك / تأليف: الجوهري (ت 323 ه) / تقديم وجمع
وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني / نشر وطبع: شركة الكتبي
للطباعة والنشر لسنة 1413 ه، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
29. شرح نهج البلاغة / تأليف: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت
655 ه) / تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم / طبع ونشر: دار إحياء
الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م / الطبعة الأولى / بغداد - العراق.
30. الشريعة الإسلامية وأثرها في تعزيز الأمن الفكري، الشيخ
عبد الرحمن السديس: ص 19، الرياض الطبعة الأولى 1426 ه.
31. الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد / تأليف:
السيد نبيل الحسني / طبع: قسم الشؤون الفكرية - العتبة الحسينية المقدسة
لسنة 1430 ه، 2010 م / الطبعة الأولى / كربلاء المقدسة - العراق.
32. الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربية / تأليف: أبو نصر
إسماعيل بن حماد الجوهري / تحقيق: د. اميل بديع يعقوب / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1420 ه / بيروت.
33. الطبقات الكبرى / تأليف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع
المعروف بابن سعد (ت 230 ه) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار
ص: 268
الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت لبنان.
34 . أنساب الأشراف / تأليف: البلاذري / تحقيق: محمود
الفردوس العظم / طبع ونشر: دار اليقظة العربية لسنة 1997 م / الطبعة
الأولى / دمشق - سوريا.
35. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: علاء الدين
علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه) / تحقيق: محمود عمر
الدمياطي / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1419 ه / الطبعة الأولى/ بيروت - لبنان.
36. التاريخ الكبير / تأليف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة
بن البخاري (ت 256 ه) / نشر وطبع: المكتبة الإسلامية / ديار بكر - تركيا.
37. جامع بيان العلم وفضله / تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد
الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت 463 ه) / تحقيق:
ابوعبد الرحمن فواز احمد زمري / الطبعة الاولى / نشر: مؤسسة ريان /
سنة الطبع: 1424 ه / بيروت - لبنان.
38. المصنف / تأليف: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي
العبسي / تحقيق وتعليق: سعيد اللحام / الطبعة الأولى / نشر: دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: جماد الآخرة 1409 ه، 1989 م /
بيروت - لبنان.
ص: 269
39. فتح الباري في شرح صحيح البخاري / تأليف: الحافظ أحمد
بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي / طبع ونشر: دار المعرفة
للطباعة والنشر / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
40. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام / تأليف: الحافظ
المؤرخ، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه) /
تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري / طبع ونشر: دار الكتاب العربي لسنة
1407 ه، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
41. سير أعلام النبلاء / تأليف: شمس الدين الذهبي / تحقيق:
مصطفى عبد القادر عطا / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه
/ الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
42. كتاب العين / تأليف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد
الفراهيدي / تحقيق: د. مهدي المخزومي / طبع: مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
43. الغارات / تأليف: إبراهيم بن محمد الثقفي / تحقيق: عبد
الزهرة الحسينية / الطبعة الأولى / نشر: دار الأضواء / سنة الطبع:
1407 ه / بيروت - لبنان.
44. الفتوحات المكية / تاليف: محي الدين بن عربي / الطبعة الثانية/ نشر: دار الفكر / سنة الطبع: 1423 ه / بيروت - لبنان.
ص: 270
45. القاموس المحيط / الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز
آبادي / طبع ونشر: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه، 1987 م / الطبعة
الأولى / دمشق - سوريا.
46. أصول الكافي / تاليف: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني /
طبع: دار الأسوة للطباعة والنشر لسنة 1425 ه، 2004 م / الطبعة
الخامسة / قم المقدسة - إيران.
47. الكامل في التاريخ / تأليف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم
محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت
630 ه) / تحقيق: عمر عبد السلام تدمري / طبع: دار الكتاب العربي
لسنة 1417 ه، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
48. المختصر في أخبار البشر تاريخ أبي الفداء / تأليف: الملك المؤيد
إسماعيل بن أبي الفداء (ت 732 ه) / طبع ونشر: دار الكتاب اللبناني لسنة
/ بيروت - لبنان.
49. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن
عبد الوهاب النويري (ت 733 ه) / طبع ونشر: دار الهيئة المصرية للكتاب
لسنة 1410 ه، 1990 م / القاهرة - مصر.
50. فيض القدير شرح الجامع الصغير / تأليف: محمد بن عبد
الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي / تصحيح: أحمد س
ص: 271
عبد السلام / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه، 1994 م /
الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
51. المعجم الأوسط / تأليف: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد
بن أيوب الطبراني (ت 360 ه) / تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد /
نشر: دار الحرمين / سنة الطبع: 1415 ه / القاهرة.
52. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل
البيت عليهم السلام / تأليف: الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي / تحقيق: السيد محمد باقر المحمودي / طبع ونشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة
لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي لسنة 1411 ه، 1990 م / الطبعة
الأولى / طهران - إيران.
53. مسند البزار / تأليف: صديق بن حسن القنوجي (ت
1307 ه) / تحقيق: عبد الجبار زكار / طبع ونشر: دار الكتب العلمية
لسنة 1398 ه، 1978 م / بيروت - لبنان.
54. المعجم الوجيز من أحاديث الرسول العزيز / تأليف: السيد
عبد الله ميرغني الحنفي نزيل الطائف (ت 1207 ه) / طبع: عالم الكتب
لسنة 1408 ه، 1988 م.
55. الأمثال في الحديث النبوي: برقم (1037)، ط المعهد العالمي
للفكر الإسلامي.
56. كشف الأستار عن زوائد البزار / تأليف: الحافظ نور الدين
ص: 272
علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه) / طبع ونشر: مؤسسة
الرسالة لسنة 1399 ه، 1979 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
57. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله
الشيباني (ت 241 ه) / طبع: مؤسسة الرسالة / بيروت - لبنان.
58. التاريخ الكبير / تأليف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة
بن البخاري (ت 256 ه) / نشر وطبع: المكتبة الإسلامية / ديار بكر - تركيا.
59. إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاحوال
والأموال والمفدة والمتاع / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر،
أبو العباس الحسيني العبيدي، المقريزي (ت 845 ه) / تحقيق: محمد عبد
الحميد النميسي / طبع ونشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب
العلمية لسنة 1420 ه، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
60. المصنف / تأليف: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي
العبسي / تحقيق وتعليق: سعيد اللحام / الطبعة الأولى / نشر: دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: جماد الآخرة 1409 ه، 1989 م /
بيروت - لبنان.
61. مسند الشاميين / تأليف: الطبراني / تحقيق:حمدي عبد المجيد
السلفي / طبع ونشر: مؤسسة الرسالة / سنة الطبع: 1417 ه، 1996 م /الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
ص: 273
62. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل (تفسير الكشاف)
/ تأليف: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (ت
538 ه) / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1427 ه، 2006 م /
الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.
63. المصنف / تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني
(ت 211 ه) / تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي / طبع ونشر:
المجلس العلمي / سنة الطبع: 1309 ه، 1891 م / الطبعة الأولى /
جوهانزبورغ - ألمانيا.
64. تخريج الأحاديث و الاثار الواقعة في تفسير الكشاف
للزمخشري / تأليف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد
الزيلعي (ت 762 ه) / تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد / طبع
ونشر: دار ابن خزيمة لسنة 1414 ه، 1994 م / الطبعة الأولى /
الرياض - المملكة العربية السعودية.
65. المعجم القانوني / تأليف: حارث سليمان الفاروقي / الطبعة
الثالثة / نشر: مكتبة لبنان / سنة الطبع: 1991 م / بيروت.
66. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام / تأليف: أبو جعفر محمد
بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني / نشر: مؤسسة الأعلمي /
سنة الطبع: 1430 ه / الطبعة الأولى / بيروت.
ص: 274
67. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم
القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الأسوة للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1416 ه، 1995 م /
بيروت - لبنان.
68. النصائح الكافية / تأليف: السيد محمد بن عقيل بن عبد الله
العلوي / الطبعة الأولى / نشر: دار الثقافة للطباعة والنشر / سنة الطبع:
1412 ه / قم المقدسة - إيران.
69. النظرية القرآنية لتفسير حركة التاريخ / تأليف: الدكترو حسن
سلمان / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة الوفاء / سنة الطبع: 1406 ه /
بيروت - لبنان.
70. إستراتيجية الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول،
لسنة 1430 ه، إعداد: متعب بن شديد، نقلاً عن: صحيفة الجزيرة،
العدد 9722 ، الصادر في 26 محرم الحرام، 1420 ه.
71. إستراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني
الأول للأمن الفكري (المفاهيم والتحديات)، جامعة الملك سعود، إعداد:
متعب بن شديد.
72. أنساب الأشراف / تأليف: البلاذري / تحقيق: محمود
الفردوس العظم / طبع ونشر: دار اليقظة العربية لسنة 1997 م / الطبعة
ص: 275
الأولى / دمشق - سوريا.
73. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة / تأليف: الشيخ
المحمودي / طبع ونشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان.
74. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار / تأليف:
العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111 ) / طبع ونشر: مؤسسة
الوفاء لسنة 1403 ه، 1983 م / الطبعة الثانية المصححة / بيروت - لبنان.
75. تاج العروس / تأليف: الزبيدي (ت 1205 ه) / تحقيق: علي
شيري / طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه، 1994 م / بيروت - لبنان.
76. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام / تأليف: الحافظ
المؤرخ، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه) /
تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري / طبع ونشر: دار الكتاب العربي لسنة
1407 ه، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
77. تاريخ التراث العربي / تأليف: فؤاد سنركين / تحقيق: الدكتور
محمود فهمي جحازي / طبع ونشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي لسنة
1412 ه / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.
78. تاريخ الطبري تاريخ الأمم والملوك / تأليف: أبو جعفر محمد
بن جرير الطبري / تحقيق وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء /طبع ونشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1403 ه، 1983 م /
الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.
ص: 276
79. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن
عبد الوهاب النويري (ت 733 ه) / طبع ونشر: دار الهيئة المصرية للكتاب
لسنة 1410 ه، 1990 م / القاهرة - مصر.
80. تاريخ المدينة المنورة (أخبار المدينة المنورة) / تأليف: ابن شبه
أبو زيد عمر بن شيبه النميري البصري (ت 262 ه) / تحقيق: فهيم محمد
شلتوت / طبع ونشر: دار التراث الإسلامي لسنة 1410 ه / الطبعة
الأولى / بيروت - لبنان.
81. سير أعلام النبلاء / تأليف: شمس الدين الذهبي / إشراف
وتخريج: شعيب الأرنؤوط / طبع ونشر: مؤسسة الرسالة لسنة 1413 ه،
1993 م / الطبعة التاسعة / بيروت - لبنان.
82. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: علاء الدين
علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه) / تحقيق: محمود عمر
الدمياطي / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1419 ه / الطبعة الأولى
/ بيروت - لبنان.
83. تذكرة الحفاظ / تصنيف: أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت 748 ه) / الطبعة الثانية
/ نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1428 ه / بيروت.
84. الرياض النضرة في مناقب العشرة / تأليف: احمد بن عبد الله
ص: 277
الطبري / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه، 2003 م / الطبعة
الثانية / بيروت - لبنان.
85. تقييد العلم / تأليف: أحمد بن علي بن ثابت الخطيب
البغدادي، أبو بكر (ت 463 ه) / تحقيق: يوسف العش / طبع ونشر:
دار إحياء السنة النبوية لسنة 1394 ه، 1974 م / الطبعة الثانية /
القاهرة - مصر.
86. جامع بيان العلم وفضله / تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد
الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت 463 ه) / تحقيق:
ابوعبد الرحمن فواز احمد زمري / الطبعة الاولى / نشر: مؤسسة ريان /
سنة الطبع: 1424 ه / بيروت - لبنان.
87. دلائل الإمامة / تأليف: محمد بن جرير الطبري (الشيعي) /
الطبعة الثانية / نشر: المطبعة الحيدرية / سنة الطبع: 1383 ه، 1963 م /
النجف الأشرف - العراق.
88. بلاغات النساء أبو الفضل أحمد بن ابي طاهر طيفور / تحقيق:
بركات يوسف هبود / الطبعة الأولى / نشر: المكتبة العصرية / سنة
الطبع: 1426 ه / صيدا.
89. دور الاعلام في قضايا الأمن الاقتصادي والاجتماعي، د.
(www.ministryinfo.gov.lb: سناء الحاج
ص: 278
90. سنن ابن ماجة / تأليف: محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت
275 ه) / تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.
91. سنن الترمذي / تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي
أسلمي (ت 279 ه) / تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف /
طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1403 ه،
1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
92. نيل الأوطار / تأليف: الشوكاني / طبع ونشر: دار الجيل لسنة
1973 ه / بيروت - لبنان.
93. سنن الدارمي / تأليف: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن
المفضل بن بهرام الدارمي (ت 255 ه) / تحقيق: الدكتور مصطفى ديب
البغا / طبع: دار القلم لسنة 1417 ه، 1997 م / الطبعة الثالثة / دمشق -
سوريا.
94. نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج
الزيلعي / تأليف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد
الزيلعي (ت 762 ه) / تصحيح: عبدا لعزيز الديوبندي الفنجاني - محمد
يوسف الكاملفوري / تحقيق: محمد عوامة / طبع ونشر: مؤسسة الريالة
للطباعة والنشر لسنة 1418 ه، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
95. الدراية في تخريج أحاديث الهداية / تأليف: ابن حجر
ص: 279
العسقلاني (ت 852 ه) / تصحيح وتعليق: السيد عبد الله هاشم اليماني
المدني / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.
96. الدر المنثور في التأويل بالمأثور / تأليف: عبد الرحمن بن أبي
بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه) / طبع دار الفكر لسنة 1403 ه،
1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
97. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير /
تأليف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه)
/ طبع ونشر: دار ابن حزم السنة 1421 ه، 2000 م / لطبعة الأولى /
بيروت - لبنان.
98. سنن النسائي / تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن
النسائي / طبع ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1348 ه،
1930 م / الطبعة الأولى/ بيروت - لبنان.
99. صحيح ابن خزيمة / تأليف: الإمام ابن خزيمة النيسابوري /
تحقيق: عادل بن سعد / طبع ونشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع:
1430 ه، 2009 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
100. مختصر بصائر الدرجات / تاليف: حسن بن سليمان الحلي /
نشر: منشورات المطبعة الحيدرية / سنة الطبع: 1370 ه، 1950 م /
الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.
101. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان / تأليف: علاء الدين علي
ص: 280
بن بلبان الفارسي (ت 739 ه) / تحقيق: شعيب الأرنؤوط / نشر: مؤسسة
الرسالة / سنة الطبع: 1414 ه، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
102. صحيح البخاري / تأليف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن
المغيرة بن البخاري / طبع ونشر: عالم الكتب لسنة 1405 ه، 1985 م /
الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.
103. صحيح مسلم / تأليف: محي الدين النووي الشافعي / تحقيق: د. محمد عبد الرحمن المرعشلي / طبع ونشر: دار إحياء التراث
العربي لسنة 1420 ه، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
104. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله
الشيباني (ت 241 ه) / تحقيق: احمد محمد شاكر / نشر: مكتبة التراث
الإسلامي / القاهرة - مصر.
105. علم خصائص الشعوب - علم الأقوام / تأليف: د. علي عبد
الله الجباوي / طبع ونشر: دار التكوين لسنة 1428 ه، 2008 م / الطبعة
الأولى / دمشق - سوريا.
106. الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربية / تأليف: أبو نصر
إسماعيل بن حماد الجوهري / تحقيق: د. اميل بديع يعقوب / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1420 ه / بيروت.
107. النهاية في غريب الحديث والأثر / تأليف: أبو السعادات
ص: 281
المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 ه) / تحقيق: طاهر أحمد
الزاوي / طبع ونشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع / سنة
الطبع: 1384 ه، 1965 م / الطبعة الرابعة / قم المقدسة - إيران.
108. مجمع البحرين في زوائد المعجمين / تأليف: الحافظ نور الدين
الهيثمي (ت 807 ه) / طبع: مكتبة الرشد لسنة 1415 ه، 1995 م /
الطبعة الثانية / الرياض - المملكة العربية السعودية.
109. تاج العروس / تأليف: الزبيدي (ت 1205 ه) / تحقيق: علي
شيري / طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه، 1994 م / بيروت - لبنان.
110. كتاب الجمل (النصرة في حرب البصرة) / تأليف: الشيخ محمد
بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان ابن سعيد بن جبير
المروف ب(الشيخ المفيد) (ت 413 ه) / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة
1403 ه، 1983 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.
111. الغدير / تأليف: الشيخ العلامة عبد الحسين الأميني (ت
1392 ه) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1397 ه، 1977 م / الطبعة
الرابعة / بيروت - لبنان.
112. سليم بن قيس / تأليف: سليم بن قيس الهلالي / تحقيق: الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاتي / الطبعة الثالثة / نشر: مؤسسة دليل
ما / سنة الطبع: 1423 ه / قم المقدسة.
113. الاحتجاج / تأليف: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي
ص: 282
(ت 548 ه) / تحقيق وتعليق: السيد محمد باقر الخرسان / نشر: دار
النعمان للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1966 م / النجف الأشرف.
114. الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربية / تأليف: أبو نصر
إسماعيل بن حماد الجوهري / تحقيق: د. اميل بديع يعقوب / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1420 ه / بيروت.
115. كشف المحجة لثمرة المهجة / السيد ابن طاووس (ت
664 ه) / طبع ونشر: المطبعة الحيدرية لسنة 1370 ه، 1950 م /
النجف الأشرف.
116. كفاية الأثر / تأليف: القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز
القمي الرازي / تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي /
نشر: انتشارات بيدار / سنة الطبع: 1401 ه، 1980 م / قم المقدسة -
إيران.
117. مناقب الإمام علي عليه السلام / تأليف: محمد بن سليمان
الكوفي / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / طبع ونشر: مجمع إحياء
الثقافة الإسلامية لسنة محرم الحرام 1412 ه، 1991 م / الطبع: قم
المقدسة - إيران.
118. الجامع الصغير من حديث البشير النذير / تأليف: جلال الدين
السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت
ص: 283
911 ه) / طبع ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة
1401 ه، 1981 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
119. تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين / تأليف: الشيخ محسن ابن
كرامة الجشعمي البيهقي / تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي / طبع
ونشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية لسنة 1420 ه، 2000 م / قم المقدسة - إيران.
120. لسان العرب / تأليف: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور
الانصاري المصري / تحقيق: عامر أحمد حيدر / طبع ونشر: دار الكتب
العلمية لسنة 1424 ه، 2004 م / الطبعة الاولى / بيروت - لبنان.
121. تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وتعتيم البخاري دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث، دراسة
وتحقيق السيد نبيل الحسني، نشر وطبع: قسم الشؤون الفكرية في العتبة
الحسينية المقدسة، لسنة 1435 ه/ 2013 م، كربلاء، العراق.
122. وفاة رسول الله عليه وآله وسلم وموضع روضته وقبره بين
اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه دراسة وتحليل وتحقيق، السيد نبيل
الحسني، نشر وطبع: قسم الشؤون الفكرية في العتبة الحسينية المقدسة، لسنة
1435 ه/ 2013 م، كربلاء، العراق.
123. الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد، شيخ كتاب
السيرة النبوية محمد بن إسحاق أنموذجاً، تأليف: السيد نبيل الحسني، نشر
ص: 284
وطبع: قسم الشؤون الفكرية في العتبة الحسينية المقدسة، لسنة 1432 ه/
2011 م، كربلاء، العراق.
124. من ولد في بيت الله الحرام علي بن أبي طالب عليه السلام أم
حكيم بن حزام؟ / تأليف: السيد نبيل الحسني / نشر وطبع: قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1432 ه، 2011 م /
كربلاء - العراق.
125. حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة عليهما السلام /
تأليف: السيد نبيل الحسني / نشر وطبع: قسم الشؤون الفكرية والثقافية
في العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1432 ه، 2011 م / كربلاء - العراق.
126. مجموعة الفتاوى / تأليف: ابن تيمية (ت 728 ه) / نشر
وطبع: الشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
127. مختصر بصائر الدرجات / تاليف: حسن بن سليمان الحلي /
نشر: منشورات المطبعة الحيدرية / سنة الطبع: 1370 ه، 1950 م /
الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.
128. البداية والنهاية / تأليف: الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه) / تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري / الطبعة
الأولى / نشر: دار إحياء التراث العربي / سنة الطبع: 1408 ه، 1988 م
/ بيروت - لبنان.
ص: 285
129. إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاحوال
والأموال والمفدة والمتاع / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر،
أبو العباس الحسيني العبيدي، المقريزي (ت 845 ه) / تحقيق: محمد عبد
الحميد النميسي / طبع ونشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب
العلمية لسنة 1420 ه، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
130. مسند الفردوس، وهو الفردوس بماثور الخطاب / تأليف: أبو
شجاع سيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي / تحقيق: السعيد بن بسيوني
زغلول / طبع ونشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1432 ه،
2010 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
131. اتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل / تأليف: محمد
بن عبد الله الأكراوي القلشقندي المناوي الشافعي الشهير بالواعظ (ت
1035 ه) / تحقيق: محمد كاظم الموسوي / طبع ونشر: المجمع العالمي
للتقريب بين المذاهب الإسلامية لسنة 1427 ه، 2006 م / الطبعة الأولى /
طهران - إيران.
132. مسند ابي يعلى الموصلي / تأليف: أبي يعلى أحمد بن علي بن
المثنى التميمي / تحقيق: حسين سليم أسد / الطبعة الأولى / نشر: دار
الفكر / سنة الطبع: 1422 ه / بيروت.
133. مسند ابي يعلى الموصلي / تأليف: أبي يعلى أحمد بن علي بن
المثنى التميمي / تحقيق: حسين سليم أسد / الطبعة الأولى / نشر: دار
ص: 286
الفكر / سنة الطبع: 1422 ه / بيروت.
134. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - /
تأليف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي (ت 303 ه) /
تحقيق: محمد هادي الأميني / طبع ونشر: المطبعة الحيدرية لسنة 1388 ه / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.
135. السنن الكبرى / تأليف: أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب
النسائي / تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري / الطبعة الأولى / نشر: دار
الكتب العلمية م سنة الطبع: 1411 ه، 1991 م / بيروت - لبنان.
136. السنن الكبرى / تأليف: الحافظ الجليل أبي بكر أحمد بن الحسين
بن علي للبيهقي / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / الطبعة الثالثة / نشر:
دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1424 ه / بيروت.
137. السيرة النبوية / تأليف: ابو الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير
الدمشقي الأموي / الطبعة الثانية / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع:
1428 ه / بيروت.
138. فضائل الصحابة / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني
(ت 241 ه) / تحقيق: وصي الله محمد عباس / طبع ونشر: مؤسسة
الرسالة لسنة 1402 ه، 1982 م.
139. معجم مقاييس اللغة / تأليف: أحمد بن فارس بن زكريا (ابن
ص: 287
فارس) / تحقيق: عبد السلام محمد هارون / طبع ونشر: مكتبة الإعلام
الإسلامي / سنة الطبع: 1404 ه، 1938 م.
140. المحاسن / تأليف: الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد
البرقي / تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث) / نشر:
دار الكتب الإسلامية / سنة الطبع: 1370 ه، 1950 م / طهران - إيران.
141. كتاب العين / تأليف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد
الفراهيدي / تحقيق: د. مهدي المخزومي / طبع: مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
142. من لا يحضره الفقيه / تأليف: أبو جعفر الصدوق محمد بن
علي بن بابويه القمي رحمه الله / تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر
الغفاري / طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين /
الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.
143. وقعة صفين / نصر بن مزاحم المنقري / تحقيق: عبد السلام
محمد هارون / طبع ونشر: دار الجيل لسنة 1410 ه / الطبعة الأولى /بيروت لبنان.
144. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم
القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / الطبعة الأولى
/ نشر: دار الأسوة للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1416 ه، 1995 م /
ص: 288
بيروت - لبنان.
145. نهج الإيمان / تأليف: زين الدين علي بن يوسف بن جبر /
تحقيق: السيد أحمد الحسيني / الطبعة الأولى / نشر: مجتمع امام هادي
(عليه السلام) لسنة 1418 ه / مشهد المقدسة - إيران.
146. خصائص الوحي المبين للحافظ / تأليف: ابن البطريق شمس
الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلي / تحقيق: الشيخ مالك
المحمودي / طبع ونشر: دار القرآن الكريم لسنة 1417 ه / الطبعة الأولى
/ قم المقدسة - إيران.
147. موقع السكينة، الأمن الفكري، مفهومه، ضرورته، مجالاته،
د. إبراهيم بن عبد الله الزهراني.
148. موقع شبكة السنة النبوية وعلومها - الوسيطة والأمن الفكري
- د. محمد بن عدنان السمان؛ السكينة، وهو الموقع الرسمي لرئاسة هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحت عنوان: (الأمن الفكري:
مفهومه، ضرورته، مجالاته).
149. الاستذكار / تأليف: ابن عبد البر (ت 463 ه) / تحقيق: سالم
محمد عطا، محمد علي معوض / نشر وطبع: دار الكتب العلمية لسنة
1420 ه، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
150. الآحاد والمثاني / تأليف: أحمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر
ص: 289
الشيباني (ت 287 ه) / تحقيق: باسم الجوابرة / طبع: دار الراية لسنة
الراية لسنة 1411 ه، 1991 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية
السعودية.
151. خصائص الوحي المبين للحافظ / تأليف: ابن البطريق شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلي / تحقيق: الشيخ مالك
المحمودي / طبع ونشر: دار القرآن الكريم لسنة 1417 ه / الطبعة الأولى
/ قم المقدسة - إيران.
152. تفسير الرازي / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن
بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي / طبع ونشر: دار
الفكر لسنة 1401 ه، 1981 م / بيروت - لبنان.
153. المخصص / تأليف: أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي
اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده (ت 458 ه) / طبع: دار الفكر
لسنة 1398 ه، 1978 م / بيروت - لبنان.
154. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري العامي
(الشيعي) (ت 310 ه) / تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي / طبع:
مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور لسنة 1415 ه، 1995 م / الطبعة
الأولى / طهران - إيران.
155. المفردات في غريب القرآن / تأليف: أبو القاسم الحسين بن
ص: 290
محمد المعروف ب(الراغب الاصفهاني) (ت 502 ه) / طبع: دار إحياء
التراث العربي لسنة 1428 ه، 2008 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
156. الديباج / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي / طبع:
دار إبن عفان لسنة 1416 ه، 1996 م / المملكة العربية السعودية.
157. فتوح البلدان / تأليف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود
البغدادي البلاذري المولود أواخر القرن الثاني الهجري (ت 892 ه) /
طبع: دار ابن خلدون لسنة 1418 ه، 1998 م / بيروت - لبنان.
158. أضواء على الصحيحين / تأليف: حجة الإسلام الشيخ محمد
صادق النجمي / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1419 ه،
1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.
159. فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب / تأليف: أحمد بن
الصديق الغماري الشافعي / تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي / طبع: عالم
الكتب للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه، 1988 م / بيروت - لبنان.
160. جمع الفوائد من جامع الأصول والفوائد / تأليف: محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر المغربي (ت 1094 ه) / طبع: دار
القبلة للثقافة الإسلامية / جدة - المملكة العربية السعودية.
161. الأمثال في الحديث النبوي / تأليف: عبد الله بن حبان (أبي
الشيخ الأصبهاني) (ت 369 ه) / تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد
ص: 291
/ طبع: سلسلة مطبوعات الدار السلفية لسنة 1402 ه، 1982 م / الطبعة
الأولى / بومباي - الهند.
162. البصائر والذخائر / تأليف: أبو حيان التوحيدي، علي بن
محمد بن العباس (ت 414 ه) / تحقيق: د. وداد القاضي / طبع: دار
صادر لسنة 1408 ه، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
163. الفتن / تأليف: نعيم بن حماد المروزي (ت ص 88 ه) / تحقيق
وتقديم: الدكتور سهيل زكار / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
لسنة 1414 ه، 1993 م / بيروت - لبنان.
164. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية / تأليف: الدكتور محمود
عبد الرحمن عبد المنعم (مدرس أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون -
جامعة الأزهر) / طبع: دار الفضيلة / القاهرة - مصر.
165. معجم لغة الفقهاء / تأليف: محمد قلعجي / طبع: دار
النفائس للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه، 1988 م / الطبعة الثانية
/ بيروت - لبنان.
166. نوادر الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
/ تأريف: محمد بن علي الحكيم الترمذي / تحقيق: عبد الرحمن عميرة /
طبع: دار الجيل لسنة 1412 ه، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
167. كشف المشكل من حديث الصحيحين / تأليف: جمال الدين
أبو الفرج بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 ه) / تحقيق: علي حسين
ص: 292
البواب / نشر وطبع: دار الوطن / الرياض - المملكة العربية السعودية.
168. الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد / تأليف: شيخ الطائفة ابي
جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي / نشر وطبع: دار الاضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.
169. الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي
حنيفة / تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن
عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 ه) / نشر وطبع: دار الكتب
العلمية / بيروت - لبنان.
170. حياة الحيوان الكبرى / تأليف: محمد بن موسى بن عيسى بن
علي الدميري، أبو البقاء، كمال الدين الشافعي (المتوفى: 808 ه) / طبع
ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.
171. كتاب التعريفات / تأليف: علي بن محمد بن علي الزين
الشريف الجرجاني (المتوفى: 816 ه) / تحقيق وضبط وتصحيح: جماعة من
العلماء بإشراف الناشر / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1403 ه -
1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
172. الإحكام في أصول الأحكام / تأليف: أبو محمد علي بن أحمد
بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 ه) / تحقيق:
الشيخ أحمد محمد شاكر / تقديم: الأستاذ الدكتور إحسان عباس / طبع
ص: 293
ونشر: دار الآفاق الجديدة / بيروت - لبنان.
173. أخبار القضاة / تأليف: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ
صَدَقَةَ الضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ، المُلَقَّب بِ(وَكِيع) (المتوفى: 306 ه) / تحقيق
وتصحيح وتعليق وتخريج الأحاديث: عبد العزيز مصطفى المراغي / نشر
وطبع: المكتبة التجارية الكبرى، بشارع محمد علي بمصر لصاحبها:
مصطفى محمد لسنة 1366 ه، 1947 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.
174. المغني في الضعفاء / تأليف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه) / تحقيق: الدكتور نور
الدين عتر.
175. الموسوعة الفقهية الكويتية / اعداد مجموعة من المؤلفين / نشر:
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت / طبع: دار السلاسل لسنة
1427 ه / الطبعة الثانية / الكويت.
176. أحاديث في ذم الكلام وأهله انتخبها الإمام أبو الفضل المقرئ من رد أبي عبد الرحمن السلمي على أهل الكلام / تأليف: أبو الفضل
عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقرىء (المتوفى: 454 ه) /
تحقيق: الدكتور ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع / طبع ونشر: دار
أطلس للنشر والتوزيع لسنة 1417 ه ، 1996 م / الطبعة الأولى.
177. معرفة أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح /
تأليف: عثمان بن عبد الرحمن، أبوعمرو، تقي الدين المعروف بابن
ص: 294
الصلاح (المتوفى: 643 ه) / تحقيق: نور الدين عتر / طبع ونشر: دار
الفكر- سوريا، دار الفكر المعاصر - بيروت لسنة 1406 ه، 1986 م.
178. الأمن والتنمية / دراسة وتحليل: نصير، محمد محمد علي /
طبع ونشر: شركة العبيكان للطباعة والنشرة لسنة 1992 / الطبعة الأولى /
الرياض - المملكة العربية السعودية.
179. الزاهر في معاني كلمات الناس / تأليف: محمد بن القاسم بن
محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري (المتوفى: 328 ه) / تحقيق: د. حاتم
صالح الضامن / طبع ونشر: مؤسسة الرسالة لسنة 1412 ه، 1992 م /
الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.
180. المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية
واللاتينية / تأليف: جميل صلبيا / طبع ونشر: دار الكتب اللبناني للطباعة
والنشر والتوزيع، الشركة العالمية للكتب لسنة 1982 م / الطبعة الأولى /
بيروت - لبنان.
181. جامع بيان العلم وفضله / تأليف: ابن عبد البر / تحقيق: أبو
الأشبال الزهيري / طبع ونشر: دار ابن الجوزي لسنة 1414 ه، 1994 م /
الدمام - المملكة العربية السعودية.
182. المعجم الكبير / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير
اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 ه) / تحقيق: حمدي
ص: 295
بن عبد المجيد السلفي / طبع ونشر: دارو مكتبة ابن تيمية / الطبعة الثانية
/ القاهرة - مصر.
183. الخصائص الكبرى أو كفاية الطالب اللبيب في خصائص
الحبيب / تأليف: عبد الرحمن أبي بكر السيوطي جلال الدين / تحقيق:
محمد خليل هراس / طبع ونشر: دار الكتب الحديثة / بيروت - لبنان.
184. نشأة علم التاريخ عند العرب / تأليف: عبد العزيز الدوري /
طبع ونشر: مركز دراسات الوحدة العربية لسنة 2005 / الطبعة الأولى.
185. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / تأليف: قطب الدين ابي
الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي / تحقيق: السيد عبد اللطيف
الكوهكمري / باهتمام: السيد محمود المرعشي / طبع ونشر: منشورات
مكتبة أيه الله العظمى المرعشي النجفي لسنة 1406 ه / الطبعة الاولى /
قم المقدسة إيران.
186. المسائل السروية / تأليف: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن
النعمان البغدادي / تحقيق: صاحب عبد الحميد / طبع ونشر: المؤتمر
العالمي لآلفية الشيخ المفيد / الطبعة الأولى.
187. مشكاة المصابيح / تأليف: الخطيب التبريزي / تحقيق: محمد
ناصر الدين الألباني / طبع ونشر: المكتب الإسلامية لسنة 1399 ه،
1979 م / الطبعة الثانية.
188. مناقب أهل البيت عليهم السلام / تأليف: المولى حيدر
ص: 296
الشيرواني / تحقيق: الشيخ محمد الحسون / نشر وطبع: مطبعة منشورات
الإسلامية لسنة 1414 ه.
ص: 297
الإهداء...5
مقدمة الكتاب...7
الفصل الأول
مفهوم الأمن الفكري في القرآن والسنة
المبحث الأول: مفهوم الأمن الفكري وتعريفه
المسألة الأولى: تعريف (الأمن الفكري) لغة واصطلاحاً...14
أولاً: تعريف الأمن في اللغة والاصطلاح...14
ألف: الأمن النفسي...16
باء: الأمن الاقتصادي...17
جيم: الأمن الاجتماعي...17
دال: سلطة الأمن العام...17
هاء: مجلس الأمن...17
ثانياً: تعريف الفكر في اللغة والاصطلاح...19
ص: 298
ألف: تعریف الفکر فی اللغة...19
باء: تعريف الفكر في الاصطلاح...20
ثالثا: تعريف الأمن الفكري...21
المسألة الثانية: مفهوم الأمن الفكري في القرآن الكريم وركائزه...24
أولاً: الأمن الفكري عند إبراهيم الخليل عليه السلام ونتائجه في الحياة...25
ثانياً: إن الأمن الفكري مشروط بعدم الشك وهو ظلامة العقل...28
ثالثاً: إرجاع الأمور إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر...29
المسألة الثالثة: مفهوم الأمن الفكري في السنة النبوية ووسائله...31
أولاً: معنى السُنّة...31
ثانياً: وسائل تأصيل الأمن الفكري في الأحاديث النبوية الشريفة...33
ألف: وسيلة القصص وبيان حال الأمم السابقة وحركة التاريخ وسننه فيها...34
باء: قيام النبي باستخدام الوسائل التعليمية لبيان الغرض الإرشادي...42
جيم: استخدام النبي للأمثلة في إرشاد الناس إلى الحكم الشرعي...47
ثانياً: قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببناء الأمن الفكري...53
ثالثاً: معرفة ما شجر بين الصحابة أهم مرتكزات الأمن الفكري...58
المبحث الثاني
مفهوم الأمن الفكري عند السلف - الوسائل والتطبيقات -
المسألة الأولى: وسائل الأمن الفكري عند أبي بكر وتطبيقاته...70
أولاً: منه المسلمين من المطالبة بالعمل بسنة رسول الله...71
ص: 299
ثانياً: معاقبة المعترض على سنة الخليفة بالقتل أو الجلد...74
ثالثاً: جمع الأحاديث النبوية وحرقها...75
رابعاً: منعه الناس من التحديث بأحاديث رسول الله...78
المسألة الثانية: وسائل الأمن الفكري عند عمر بن الخطاب وتطبيقاته...81
أولاً: منع تدوين سُنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...82
ثانياً: منعه الصحابة من رواية أحاديث رسول الله...85
ثالثاً: أمره بمحو السُنة النبوية في جميع المدن الإسلامية...89
رابعاً: حبسه لصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم...91
خامساً: حرقه الكتب التي عند صحابة رسول الله...94
سادساً: منعه الصحابة من قراءة القرآن حينما يترافق مع بيان أحكامه؟!...97
سابعاً: منعه الصحابة من الإفتاء بعلة الإمارة...99
ثامناً: معاقبته لمن يسأل عن أمور دينه أشد العقوبة ونفيه من بلده!!...101
تاسعاً: دوران المسلمين بين سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسنة عمر بن الخطاب...104
المبحث الثالث
أكانت هذه الوسائل تقود إلى تحقيق الأمن الفكري أم الحجر الفكري؟!
المسألة الأولى: دور التثاقف بين الحجر الفكري والأمن الفكري...108
أولاً: ما هو التثاقف؟...109
ثانياً: ولادة الثقافة الأموية من رحم التشريعات العمريّة...110
ألف: تحريم الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر عثمان...110
ص: 300
باء: منع الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا حدیثاً...112
المسألة الثانیة: اتجاه المجتمع الإسلامی نحو الحجر الفکری...113
المسألة الثالثة: تنامی حالة الحجر الفکری إلی الاضطهاد الفکری...124
أولاً: تهجیر المسلم المفکر من بلده إلی بلد آخر...124
المرحلة الأولی من الإفراغ العقائدی فی الکوفة...126
المرحلة الثانیة من الإفراغ العقائدی فی الکوفة...132
ثانیاً: معاقبة المسلم علی أحاسیسه أشد العقوبات!...134
الشاهد الأول: قتل من یروی حدیثا فی فضل علی وأهل بیته علیهم السلام...136
الشاهد الثانی: إسقاط شهادة شیعة علی علیه السلام...137
الشاهد الثالث: نشر الأحادیث المکذوبة فی فضال عثمان...137
الشاهد الرابع: التنکیل بشیعة علی علیه السلام وهدم دورهم...139
ثالثا: آثار الأنماط التثاقفیة کما یراها علماء الأنثرویولوجیا الثقافیة...140
الفصل الثانی
أصول الأمن الفکری عند أمیرالمؤمنین الإمام علی بن أبی طالب (الوسائل والتطبیقات)
المبحث الأول: کیف قرأ أمیرالمؤمنین علیٌّ علیه السلام حیاة السلف...147
المسألة الأولی: کیف جرت حادثة سؤال الإمام علی علیه السلام...152
المسألة الثانیة: هل کشف سؤال الإمام علی علیه السلام عن رأیة...179
المبحث الثانی: أصول الأمن الفکری فی نهج البلاغة...183
ص: 301
الأصل الأول: حفظ حق علی علیه السلام الذی ضیّعه المسلمون...183
الأصل الثانی فی تحقیق الأمن الفکری: القراءة...187
الأصل الثالث من أصول الأمن الفکری: التعاون علی الحق...189
الأصل الرابع: معرفة ذور النبی صلی الله علیه و آله وسلم فی إنقاذ العرب...190
أولاً: تثقیف الناس علی ممارسة النبی صلی الله علیه و آله...193
ثانیاً: تثقیف الناس علی وقوع النبی صلی الله علیه و آله...195
1- اتهام النبی بالبقاء - والعیاذ بالله - علی الجنابة فیصلی وهو جنب،...195
2- روایة البخاری لاشتراک النبی فی الأعراس النسائیة - والعیاذ بالله -...197
3-روایة البخاری وغیره فی تبول النبی صلی الله علیه و آله واقفاً - والعیاذ بالله -...197
الأصل الخامس: التفقه بالدین ومعرفة الحلال والحرام...200
الأصل السادس: معرفة حیاة السلف وما شجر بینهم...201
الأصل السابع: تغلیب الإسلام علی جمیع المصالح...213
الأصل الثامن: تقدیم النصیحة...214
الأصل التاسع: معرفة ما وقع من الظلم علی الإمام علی علیه السلام...217
الأصل العاشر: اعتماد النظام الانتخابی فی الوصول إلی الحکم...220
الأصل الحادی عشر: الطمع فی السلطة سنام الحرکات التکفیریة...223
الأصل الثانی عشر: توعیة المسلمین علی حقیقة أهل البدع والمنتحلین...226
أولاً: صفات هؤلاء المنتحلین للدین وأصحاب البدع...227
1- إنهم (أعراب)...227
ص: 302
2- إنهم: (أحزاب)...228
3- إنهم (أهل طمع)...229
4- إنهم (جفاة)...230
5- إنهم (طغام)...231
6- أنهم يجتمعون من كل أوب...231
7- إنهم (مرتزقة)...231
8- إنهم (ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان)...231
ثانياً: كيفية مواجهة أهل البدع لتحقيق الأمن الفكري...232
ثالثاً: أثر معاوية وأصحابه في تفريق الجماعة وتشتيت المسلمين...233
رابعاً: مواجهة ظواهر الصلاح التي يتستر بها أهل الانحراف الفكري...234
الأصل الثالث عشر: إحياء ما أحياه القرآن وإماتة ما أماته القرآن...235
الأصل الرابع عشر: تعريف الناس بأن العدو الحقيقي للمسلمين هم الطلقاء...236
أولاً: صفات أعداء الإسلام...238
ثانياً: صفات قيادات أعداء الإسلام...233
الأصل الخامس عشر: محاربة العدو الفكري يقتضي البناء النفسي...240
أولاً: لزوم المعسكر بالمعنى الواقعي والمجازي...241
ثانياً: ضم القواضب...241
ثالثاً: توطين النفس على الجهاد...242
رابعاً: تقليل زيارة الأبناء والنساء...242
ص: 303
خامساً: الصبر على الحرب...242
سادساً: التشمير...243
سابعاً: ثمرة هذا البرنامج من البناء النفسي...243
الأصل السادس عشر: إن الدافع في تحقيق الأمن الفكري...244
أولاً: أن يتولّى أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها...245
ألف: تردي الوضع الاقتصادي...251
باء: تردي الوضع الاجتماعي...252
جيم: التعرض للطبقة الواعية والصالحة في المجتمع...252
الأصل السابع عشر: إن التمسك بعلي بن أبي طالب عليه السلام...255
المصادر والمراجع...262
المحتويات...298
...305 in The Intellectual Security
...306 Study and Analysis
...306 Introduction of the book
...306 In the name of Allah, the Beneficent, the Merciful
...309 Contents of the book
ص: 304
Nahjul-balagha
Study upon the lights of Quran, Sunnah, and Cultural and Social
Anthropology, to clarify the project of Imam Ali (a.s) to save Muslims
which faced the project of radicalism and terrorism project.
By. Sayed Nabil Al-hasany
ص: 305
“Praise be to Allah for that which He bestowed (upon us), and thanks be to
Him for all that which He inspired, and tribute be to Him for that which He
provided; from prevalent favors which He created, and abundant
benefactions which He offered and perfect grants which He presented; that
their number is much too plentiful to compute, and too vast to measure;
their limit was too distant to realize”
Peace be upon the best of all creatures Mohammed and his Immaculate
Progeny the guides to the religious laws of the God of the Worlds.
Indeed the most wanted need by man after the religion of the Almighty
Allah is security, because he who lost security will have bad life condition,
thus «there is no life joy with fear» as Commander of The faithful Imam Ali
said.
Also, because the religion is built on faith, made from ideology and live by
being followed, therefore security achieves all of that, thus he who is safe
will work, and he who work will need to thought, and by thought the faith
will be straight.
Hence:
The need to the Intellectual Security s greater than the need to the social,family, and personal security, because the integrity and safety of thought
will achieve all of that. Thus, man may commit a suicide because of wrong
thought, and the family might be destroyed because of troubled thinking,
and corruption may prevail in society because of corrupt and ruinous
ideology.
Also, because government and institutions which are working on studying
the reasons which produced violence, terrorism, and radicalism concluded
ص: 306
the defect in ideology which result extremisms, terrorism and corruption.
Those governments and security and education institutions rushed to take
action against this danger welling to push this danger away from their
existence which does not exclude any one, and by doing that they achieve
number of objectives, for example:
1- Rising of the country and protecting its’ prestige, and the
people in authority(Royal families, the government, the high
authority, and the religious authority) will enjoy their life and
they will practice their psychological, and physical needs in
fully safe and freely under the title of “Obedience People in
Authority”
2- Protecting the constants of the faith which the sons risen upon
them and followed by the fathers under the title of “Holding
the Book(Quran) and Sunnah”
3- Preventing the alternative culture other than the society
culture under the title of “adhere to the community”
4- Restricting the religion and understanding it to the Righteous
Salaf(ancestors), then blocking the way of knowing about
other Islamic doctrines.
These constants which were addressed by lots of modern studies about
the “Intellectual Security” and putted their main concern on them, are
actually are the same used by the idols of radicalism since the first
century of the Islamic calendar!!
Perhaps listening to the speech of the radical groups which calling
them selves “Jihadist” are actually more concerned about holding
these constants which were concluded by the studies in the intellectual
security. Rather, they use it for their tool to attract the youth and
pulling them to kill, torture, explode, and other action which became
the main topic of all people daily speech nowadays around the world.
Based on above:
The ideology did not get rid of that cages which guided those
extremist to destruction and devastation, rather what is strange about
this matter is that lots of those who are calling for intellectual security
in our today’s world they do conferences, seminars, and assemblies
aiming to save those commonalities between those radical groups and
them, and add to that supporting them with money, weapons, and
men!308
ص: 307
Then, those studies in fact did not aim to save the lives of people from
terrorism, and did not care about protecting their children, women, and
properties, or save their future and homeland as this studies cared about
protecting leadership, government, and those on authority and people with
religious power.
Therefore:
These studies did not and will not succeed to reach the “Intellectual
Security” because it is still far away from Quran And Sunnah while they are
the main titles(bases) which were adopted by those who call for intellectual
security- today- as an excuse to save that statuses only, and this was
indicated in His Almighty verse:
(When there comes to them some matter touching (Public) safety or
fear, they divulge it. If they had only referred it to the Messenger, or to
those charged with authority among them, the proper investigators
would have Tested it from them (direct). Were it not for the Grace and
Mercy of Allah unto you, all but a few of you would have fallen into the
clutches of Satan. Quran 4:83)
Therefore:
to reach the reality of the intellectual security which by it the safety of
religion and human will enjoy his life will be achieved by it, we have to
return to the right foundations and constants which create the intellectual
security. Indeed what was based on delusive will not have straight
construction, rather it will be destroyed upon its’ builders; and he who
diverted from the right can not reach the truth as long as he live, even he
struggled, because he is as same as who walk behind the mirages will not
gain any fruit but thirst, effort, and perdition.
Hence:
Our guide toward reaching the foundations and constants which can achieve
intellectual security was Imam Ali bin Abu Talib peace be upon him.
Perhaps reader will rise a question which is “Why Ali bin Abu Talib peace
be upon him without other?”
This study will address that question.
ص: 308
- The concept of the intellectual security in the Quran and Sunnah
- The concept of the intellectual security to Salaf(ancestors), -tools
and applications
- Do this tools lead to achieve the intellectual security or quarantined
it?!
- What is Acculturation?
- Punishing the Muslim severely for his feelings
- Killing narrators of the traditions of Imam Ali and HisProgeny(peace be upon them) virtues
- Rejecting the testaments of the followers(shi’a) of Imam Ali
- Spreading fabricated traditions in virtues of Othman
- The birth of the Umayyad Culture of the laws of Omar
- Roots of the intellectual security
- How did Commander of the Faithful (peace be upon him) probe the
life of the ancestors and their ideology during his life
- The roots of the intellectual security in Nahjul-balagha
- Abuse the shi’a of Ali(a.s) and demolishing their homes
- Educating people on The Prophet (SAWA) practice the morals of
Jahilaya (pre-islam era)
- Educating people on the falling of The Prophet (SAWA)-god forbidon
the forbidden(taboos) and take them lightly
- Understanding the religion and knowing Halal and Karam
- To know the life of the salaf(ancestors) and what happened between
them
- To aim to protecting Islam for the elites and putting that before their
desires
- Giving advice to Muslim will save the safety of people and country
- To know the oppression which fallen on Imam Ali peace be upon
him will push toward holding Quran and Sunnah tightly
- Reliance on the electoral system to gain authority as imam Ali (As)
found it
ص: 309
- Greed for power is the aim of radical movements therefore it must be
fought with all means and introduce their leaders to Muslims
- Educating Muslims on the truth of people of innovation(fabrications)
and religiosity imposters and how to face them
- Characters of people of innovation(fabrications) and religiosity
imposters
- How to confront people of innovation on purpose to create
intellectual security
- Indeed Moaweiah and his companions were behind spreading the
unity of Muslims
- Confronting the manifestation of goodness which people of
innovation use to cover their reality and detecting it to people
- Educating people that the real enemies of Muslims are the freed(altolaqa),
their sons, and followers because they are people of
innovation
- Characters and Diagnostics of the enemies of Islam
- Diagnostics of enemies of Islam leaders and their characters
- Jihad in fighting the intellectual enemy requires psychological
construction to the Jihadi fighter
- Requirement for camp in real and figuratively as the library to theintellectual fighter
- To habitat the self on Jihad
- Reducing the visit of sons and women
- Patience on war
- Readiness
- The fruit of this psychological construction program
- The reason behind creating intellectual security is protecting the
nation from being ruled by fools and tyrants
- This nation to be ruled by fools and tyrants
- Adhering to Imam Ali bin Abu Talib peace be upon him and
obeying him achieve safety in this world and hereafter__
ص: 310